ثلاث مواد قانونية فقط مأخوذة من التشريعات الاجنبية (هندية وسنغافورية وفنلندية) لو طبقنا أحكامها الآن في العراق لأصبحت مدننا في ليلة وضحاها من المدن النظيفة الجميلة المستقرة الهادئة..
فلو استعرنا المادة الأولى من قانون البيئة السنغافوري لسنة 1968 لتخلصنا والى الأبد من تراكمات الأزبال، وتلال القمامة المتفسخة في الاحياء السكنية والأسواق والطرق الرئيسة والفرعية، فالقانون السنغافوري يوجب تغريم كل من يرمي النفايات والملوثات في الشوارع العامة، أو في الأزقة الفرعية، او في الساحات والأماكن المفتوحة بغرامة فورية لا تقل عن ألف دولار أمريكي، ومن دون تفريق بين نوع القمامة وحجمها وكميتها، ومن دون تميز بين كبير وصغير، ووزير وفقير، فالكل سواسية أمام القانون..
لقد تحولت شوارعنا الى مكبات مفتوحة لرمي القمامة، واكتست ارصفتنا بطبقات سميكة من الأطيان والرمال والأتربة، وطوقتها الأوحال والمياه الآسنة، وغمرتها القاذورات بما طفحت به فضلات المجاري حتى صارت مرتعا للجرذان وملاذا لمستعمرات البعوض، ومأوى للقطط الضالة والكلاب السائبة..
يبقى سؤال في غاية الأهمية ينبغي التفكير فيه قبل الشروع بالعقاب وإنزال الغرامات، فنقول: من ذا الذي سيتكفل بنقل القمامة المتكدسة؟، ومتى تتولى المؤسسات المعنية صيانة منظومات الصرف الصحي؟...
اما المادة الثانية فنقترح اقتباسها من الهند، وعلى وجه التحديد من قانون الامتحانات لسنة 1997، والتي تنص على معاقبة الطالب الذي يغش في الامتحان بالسجن لمدة تصل الى عشر سنوات، وقد تبنت الهند هذا القانون الغريب في المؤسسات التربوية ووضعت حدا لألاعيب الغشاشين الذي قد يحصلوا على الشهادة التأهيلية وهم غير مؤهلين، فيتغلبون على من هم أكفأ منهم..
فلو استعرنا هذه المادة، وطبقنا احكامها عندنا تطبيقا حازماً صارماً نضمن السير في الاتجاه الصحيح نحو صيانة الانظمة الامتحانية من الغش والاحتيال، ولتخلصنا الى الأبد من الاساليب الحنقبازية، التي سلكها اصحاب النفوس الضعيفة في الحصول على المؤهلات العلمية الباطلة..
اما المادة الثالثة فنقترح استعارتها من قانون نظام المرور في فنلندا، والتي تنص على احتساب غرامات مخالفة السرعة على وفق الموارد المالية للشخص المخالف، وبالمقدار الذي يتيح للسلطات اقتطاع نسبة معينة من أموال الذين يخالفون القانون، ومن نافلة القول نذكر أن المواطن الفنلندي (إنساي فانجوكي) مدير شركة نوكيا للهواتف النقالة، غرمته ادارة المرور عام 2002 بغرامة مالية بلغت أكثر من (12) مليون دولار لقيادته دراجته النارية بسرعة تجاوزت الحدود المسموح به في القانون، فدفعها (إنساي) من رصيده الكبير عداً ونقداً، ومن دون أن يلتف على الاعراف السائدة في بلاده بالطرق المريبة..
لو طبقنا هذا القانون في العراق لكانت مواكب اصحاب المناصب العليا في طليعة العجلات المخالفة لقواعد السير، لا بسبب مخالفتها لحدود السرعة، ولا بسبب صخبها وضجيجها واندفاعها وغضبها، ولكن بسبب اصرارها على السير بالاتجاه المعاكس (عكس السير) اختصارا للوقت والمسافة..
ثلاث مواد فقط كفيلة بتحسن الوجه الحضاري لمدننا التي خنقتها الانتهاكات والتجاوزات والمخالفات المقصودة وغير المقصودة، بانتظار من يرمي لها طوق النجاة لينتشلها من واقعها المزري...
مقالات اخرى للكاتب