من يتابع الوضع السياسي والاجتماعي في العراق يدرك بوضوح المخاطر المتفاقمة التي تهدد البلاد بكارثة تختلف تماماً عن بقية الكوارث التي مر بها المجتمع العراقي خلال العقود المنصرمة. فإذا كانت الكوارث والمآسي السابقة قد نشأت بفعل صراع بين السلطة السياسية الاستبدادية من جهة وغالبية الشعب العراقي بكل قومياته وأحزابه السياسية الوطنية وأتباع دياناته ومذاهبه العديدة من جهة أخرى, التي كلفت الشعب العراقي ما يقرب من مليون قتيل وما يقرب من هذا الرقم من الجرحى وإلى خراب اقتصادي واسع وديون ثقيلة وبؤس وفاقة في صفوف الشعب, فإن الكارثة المحدقة في هذه الفترة لم تنشأ بين السلطة السياسية السائرة نحو الاستبداد والشعب فحسب, بل إنها تتسبب في دفع الصراع الطائفي نحو الشارع العراقي وحملته أبعاداً مدمرة, إضافة إلى تشديد الخلاف واحتمال تفجره بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم, وبتعبير أدق إنها بين السلطة الاتحادية والشعب الكردي. والسياسة التي تمارسها القوى الحاكمة والتفاقم المحتدم في خلافاتها وعجز رئيس الحكومة وفريقه في الحكم وحزب الدعوة ودولة القانون عن إدارة الصراع بما يعالج المشكلات القائمة في أجواء الديمقراطية وبالاستناد إلى الدستور العراقي, بل هو يتحمل المسؤولية الأولى والرئيسية في ما وصل إليه العراق في هذه المرحلة الحرجة جداً من حياة وتاريخ البلاد. إن ما ينتظر العراق في حال مواصلة رئيس الحكومة سياسته الراهنة الدافعة باتجاه المزيد من الاصطفاف الطائفي واستقطابه الشديد يتجسد في احتمال وقوع كارثة فعلية تقود إلى حرب طائفية مريرة في البلاد تساهم فيها ليس قوى الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية منها والسنية وميليشياتها المسلحة وقوى الإرهاب الدموي مثل القاعدة وجماعة عزة الدوري البعثية المسلحة فحسب, بل إنها ستسحب إليها, شئنا ذلك أم أبينا, أبناء الشعب من أتباع المذهبين في الإسلام, الشيعة والسنة, وستقود إلى موت ودمار هائلين لم يشهد مثلهما العراق, إنها ستكون أسوأ مما يجري اليوم في سوريا وأمر كثيراً. لا بد للقوى الديمقراطية من القوميات العراقية كافة وعقلاء العراق كافة بذل أقصى الجهود لتدارك هذه المحنة الجديدة والكارثة المحدقة من خلال الدعوة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني تجري في أقرب فرصة ممكنة بعد دراسة المطالب العادلة والمشروعة المتناغمة مع الدستور للجماهير المتظاهرة وإجراء التعديلات الضرورية على بعض أهم مواد الدستور العراقي وقوانين الانتخابات والأحزاب وغيرها لإجراء الانتخابات العامة في أجواء غير الأجواء الراهنة, وبعيداً عن الاحتقان الراهن الذي يمنع ممارسة سياسة هادئة وعقلانية تسهم في تحقيق وحدة الشعب العراقي. لم يعد في مقدور رئيس الوزراء الحالي تحقيق وحدة الحكومة, فهو مفرق للصفوف بدلاً من أن يكون الجامع والموحد لها بسبب سياساته الطائفية الشيعية التي دفعت قوى أخرى إلى التخندق الطائفي السني, وهو الخطر الفعلي الراهن. وهل بإمكان قوى المعارضة لسياسات رئيس الحكومة فرض تغيير نهجه الطائفي والاستبدادي الرهن؟ هل سينجح الشعب العراقي تحقيق هذه المهمة, مهمة تشكيل حكومة إنقاذ وطني غير طائفية وتلتزم مبدأ المواطنة العراقية الحرة والمتساوية؟ هل يستطيع فرض نهج جديد في سياسة الحكومة الراهنة ؟ إن الشعب وقواه السليمة أمام امتحان عسير ويرجو كل الخيرين النجاح والخلاص له ولهذه القوى من هذه المحنة الخانقة والكارثة المحدقة.
مقالات اخرى للكاتب