ضرب المثل هو نوع من انواع الأدب العربي والقرآني، والأمثال وضربها هي ثقافة موجودة عند معظم شعوب العالم وفي مختلف لغاتهم، وربما يشترك شعوب العالم بمثل، فيكون مثلاً عالمياً.
وسنحاول ان نحلل الكلمتين( ضرب، المثل) بمعانيهما لغةً واصطلاحاً
فكلمة ضرب في اللغة تعطي المعاني التالية::
اولاً: تعطي معنى السفر لطلب الرزق، وتأتي بمعنى المضاربة وما شاكل ويشير بذلك ابن منظور في كتابه اللغوي(لسان العرب)، فقد ذكر هذه النصوص التالية:(كأَنه مأْخوذ من الضَّرْب في الأَرض لطلب الرزق. قال اللّه تعالى: وآخَرُونَ يَضْرِبون في الأَرضِ يَبْتَغونَ من فَضْلِ اللّهِ؛ قال: وعلى قياس هذا المعنى، يقال للعامل: ضارِبٌ، لأَنه هو الذي يَضْرِبُ في الأَرضِ. قال: وجائز أَن يكون كل واحد من رب المال ومن العامل يسمى مُضارباً، لأَنَّ كل واحد منهما يُضارِبُ صاحِـبَه، وكذلك الـمُقارِضُ).)
ثانياً: تأتي كلمة الضرب احياناً بمعنى:المطر الخفيف.
ثالثاً: وتأتي بمعنى الكف، ومن هنا جاء معنى كلمة الإضراب، بمعنى الكف والتوقف.
وقد ورد في كتاب لسان العرب هذا النص: والضَّرْبُ الـمَطَر الخفيف. الأَصمعي: الدِّيمَةُ مَطَر يَدُوم مع سُكُونٍ، والضَّرْبُ فوق ذلك قليلاً
والضَّرْبةُ الدَّفْعَةُ من المطر وقد ضَرَبَتْهم السماءُ.
وأَضْرَبْتُ عن الشيءِ: كَفَفْتُ وأَعْرَضْتُ.
وضَرَبَ عنه الذِّكْرَ وأَضْرَبَ عنه: صَرَفَه.
وأَضْرَبَ عنه أَي أَعْرَض.
وقولُه عز وجل: أَفَنَضْرِبُ عنكم الذِّكْرَ صَفْحاً؟ أَي نُهْمِلكم، فلا نُعَرِّفُكم ما يَجب عليكم، لأَنْ كنتم قوماً مُسْرِفين أَي لأَنْ أَسْرَفْتُمْ).
وهنالك معاني كثيرة لكلمة الضرب، ولكننا سنكتفي بما ذُكِرَ وما سنذكره لاحقاً، وهو النص الآتي وفيه ما يشهده من معنى من خلال ذكره لكلمة( الضرب) التي جاءت مرورا فرقة مع كلمة( المثل)، والنص ورد في لسان العرب هو : وضَرَبَ اللّه مَثَلاً أَي وَصَفَ وبَيَّن، وقولهم: ضَرَبَ له المثلَ بكذا، إِنما معناه بَيَّن له ضَرْباً من الأَمثال أَي صِنْفاً منها
وقد تَكَرَّر في الحديث ضَرْبُ الأَمْثالِ، وهو اعْتبارُ الشيء بغيره وتمثيلُه به
والضَّرْبُ الـمِثالُ ، والضَّرِيبُ: النَّصِـيبُ.
والضَّرِيبُ: البَطْنُ من الناس وغيرهم.
والضَّرِيبةُ: واحدةُ الضَّرائِبِ التي تُؤْخَذ في الأَرْصاد والجِزْية ونحوها؛ ومنه ضَريبة العَبْدِ: وهي غَلَّتُه).(لسان العرب مادة ضرب)
ونستنتج مما تقدم ان معنى كلمة (ضرب)في موردها مع كلمة (المثل)فإنها تعني:الوصف، والصفة لما يأتي ما بعدها من المثل، واعتبار الشيء من خلال غيره
وأم معنى كلمة:(المثل)، فلها معانٍ كثيرة، منها ما ذُكِرَ في كتب اللغة وهي: قيل بأن المثل هي صفة الشيء، منها في قوله تعالى:( مثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون)، وقد جاء في لسان العرب ما يلي:(مَثَلُها هو الخبر عنها، وقال أَبو إِسحق: معناه صِفة الجنة، وردّ ذلك أَبو علي، قال: لأَن المَثَلَ الصفة غير معروف في كلام العرب، إِنما معناه التَّمْثِيل. قال عمر بن أَبي خليفة: سمعت مُقاتِلاً صاحبَ التفسير يسأَل أَبا عمرو بن العلاء عن قول الله عز وجل، مَثَل الجنة: ما مَثَلُها؟ فقال: فيها أَنْهار من ماءٍ غير آسِنٍ، قال: ما مثلها؟ فسكت أَبو عمرو، قال: فسأَلت يونس عنها فقال: مَثَلُها صفتها؛ قال محمد ابن سلام: ومثل ذلك قوله: ذلك مَثَلُهم في التوراة ومَثَلُهم في الإِنجيل): أَي صِفَتُهم)
وقد يأتي معنى المث هو العبرة والعِظة، ومنها ما جاء في قوله تعالى (سلفاً) كما جاء
وقد يكون المَثَلُ بمعنى العِبْرةِ؛ ومنه قوله عز وجل: (فجعلناهم سَلَفاً ومَثَلاً للآخرين)، والمثل هنا العظة والعبرة. وجاءت كلمة المثل كما جاء بأنها التمثيل، اي يتمثل بشيء.

ما هي الفائدة من ضرب المثل؟

ذكر في الكثير من المصادر المعتمدة عند اهل اللغة وأهل التفسير، ان الفائدة من ضرب المثل هو : تقريب المعاني الى الذهن من خلال ضرب المثل، وقال آخرون : ان العظة والتذكير من خلال ضرب المثل هو من ارقى الأساليب التربوية والعلمية لإيصال المعاني المقصودة الى الناس من خلال ضرب الامثال لهم ، وقيل بان الفائدة من ضرب الأمثال هو: كشف المستور بالمعلوم، وقيل إيضاح الخفي وكشفه من خلال الشيء الجلي، وقيل إظهار الشيء المجهول من خلال الشيء المعلوم.
وقال عبد القاهر الجرجاني ( المتوفّى عام ٤٧١ هـ ) : إعلم أنّ مما اتّفق العقلاء عليه انّ التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني ، أو أُبرزت هي باختصار في معرضه ، ونُقلت عن صورها الاَصلية إلى صورته كساها أُبّهة ، وكسبها منقبة ، ورفع من أقدارها ، وشبّ من نارها ، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها ، ودعا القلوب إليها ، واستثار من أقاصى الأفئدة صبابة وكلفاً ، وقسر الطّباع على أن تُعطيها محبة وشغفاً.
فإن كان ذمّاً : كان مسه أوجع ، وميسمه ألذع ، ووقعه أشدّ ، وحدّه أحد..
وقد نقل ابن قيم الجوزية ( المتوفّى عام ٧٥١ هـ ) كلام النظّام بشكل كامل ، وقال
وقد ضرب الله ورسوله الأمثال للناس لتقريب المراد وتفهيم المعنى وإيصاله إلى ذهن السامع ، وإحضاره في نفسه بصورة المثال الذي مثّل به فقد يكون أقرب إلى تعقّله وفهمه وضبطه واستحضاره له باستحضار نظيره ، فإن النفس تأنس بالنظائر والأشباه وتنفر من الغربة والوحدة وعدم النظير.(مجمع الامثال)
ففي الأمثال من تأنّس النفس وسرعة قبولها وانقيادها لما ضرب لها مثله من الحق أمر لا يجحده أحد ولا ينكره ، وكلّما ظهرت الأمثال ازداد المعنى ظهوراً ووضوحاً ، فالأمثال شواهد المعنى المراد ، وهي خاصية العقل ولبّه وثمرته.(مجمع الامثال)

الأمثال في القران الكريم

ضرب الله الامثال في القران الكريم في اكثر من ثمانين موضعاً، لما في هذا الأسلوب من نفع وتأثير ووقع في النفوس، ولو لم يكن كذلك لما ورد في القران بهذا ألكم الهائل في عدد الآيات التي جاءت تحمل تلك الأمثلة القرآنية.
قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ) 26: البقرة.

وقال في موضع آخر:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء)24:ابراهيم.
وقال :(وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ) 58: الروم.
ونحن نجد هذه الأمثلة القرانية لها أغراض وأهداف تختلف من اية لأخرى ومن مثل لآخر ، فحياناً يأتي المثل لفائدة عموم بني أذم، وأحيانا يخاطب نمط من الناس، وأحيانا يخاطب نساء معينات، وأحيانا يإتي المثل لزوجات الانبياء، ويريد من خلال تلك الأمثلة ان يوصل رسالة الى زوجات النبي، وهي ان الحالة الزوجية من الانبياء لا تعطي حصانة من الدخول في النار، بل على العكس من ذلك، فإن ارتكاب المعصية من قبل زوجات الانبياء فإن عقوبتها تكون أشد، وذلك ما حصل لزوجتي نبي الله نوح ولوط ع.
قال تعالى:(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) 10:التحريم.....
وهكذا في بقية الأمثلة القرانية......

الأمثلة في حديث النبي محمد(صلى الله عليه وآله)

الحديث النبوي لم يهمل مسألة ضرب الامثال لتقريب المعاني والمقاصد الى الأذهان والأفكار والعقول، ولذلك فإننا نجد في معظم المواقف التي وقف فيها رسول الله ص نجد الكثير من الأمثال لأجل ان يخلد تلك المواقف.
قال رسول الله ص:( مثَلُ اهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من ركبها نجى ومن تركها غرق وهوى)
هذا الحديث ورد عند السنة والشيعة وهو متفق عليه.
فإذا أردنا ان نحلل هذا الحديث بهذا المثل، لابد لنا من تسليط الضوء على سفينة نوح
سفينة نوح: كانت سببا في نجاة النوع البشري وحافظت عليه من الضياع والانقراض، كما حافظت سفينة نوح على الأنواع الحيوانية والنباتية وما شاكل، وذلك من خلال ما وضعه من كل زوجين اثنين. فالفائدة المترتبة من جراء بناء السفينة وركوبها هي ذاتها موجودة في حياة النبي وبعد وفاته.
ان سفينة نوح التي أنقذت الناس من الغرق والظلامات والأمواج المتلاطمة، فكذلك الحال بالنسبة الى سفينة آلِ محمد ص فهي نجاة وتضمن الفوز في الدنيا والآخرة.
قال رسول الله: لعلي: انت منّي بمنزلة هارون من موسى.
ولمعرفة منزلة علي امير المؤمنين(ع) من رسول الله ص، ضرب لنا رسول الله ذلك المثل، ولكي نرجع الى القران لابد لنا من ان نتعقب العلاقة ما بين هارون وموسى، فوجدنا ما يلي في القرآن الكريم :
يا هارون اخلفني في قومي، واصلح ، ولا تتبع سبيل المفسدين
فأول قضية ومنزلة لهارون في قلب موسى هي الخلافة، يستخلفه اذا غاب( يا هارون اخلفني في قومي).
واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) انتهى النص القراني وحديث النبي. نستفيد من ذلك الحديث هو ان الامام علي ع هو رمز الإصلاح والرمز في محاربة المفسدين والفساد، وهو الرمز الأوحد في خلافة النبي محمد ص.
الى هنا انهي المقال خشية الإطالة والملل، ونسأله تعالى التوفيق وحسن العاقبة.