مضت 25 عام منذ أن رأينا أخر حلف عسكري عربي يشارك في عملية عاصفة الصحراء التي شنتها الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين لاجبار القوات العراقية على الانسحاب من الكويت عام 1991 قبل أن تقرر السعودية أخيرا تحويل الحرب الباردة التي تخوضها ضد ايران بالوكالة في عدد من الدول العربية الى حرب ساخنة تقودها بنفسها لايقاف التمدد الحوثي في الجارة الجنوبية والذي كان قاب قوسين أو أدنى من الاطباق على العاصمة البديلة "عدن" معقل الرئيس الشرعي المنتخب عبدربه منصور هادي حليف المملكة المدعومة بحلف عربي ضد الحوثيين المدعومين ايرانيا ، التدخل العسكري السعودي المباشر في اليمن جاء نتيجة للهزائم المتتالية التي تلقاها وكلاء الرياض في مواجهتهم لوكلاء طهران في عدد من الدول والتي قد يكون ماحصل في اليمن أخرها وليس أخيرها ، كما ان هذا التحرك يأتي في سياق تخوف عربي متأخر لكنه حقيقي ومشروع من خطورة المشروع الايراني والذي بدأ بالتهام الدول العربية الواحدة تلو الأخرى وهو مادفع القادة العرب لتحرك مفاجئ وعاجل باحياء معاهدة الدفاع العربي المشترك التي أكل الدهر عليها وشرب ، واتخاذ خطوات جدية باتجاه انشاء قوة عربية مشتركة لمحاربة الارهاب استنادا لطلب سابق للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
تعتبر اليمن امتدادا حضاريا وجغرافيا واستراتيجيا للمملكة العربية السعودية ، ولطالما كانت تعتبر الحديقة الخلفية للرياض وحجر الأساس في السياسة الخارجية السعودية وهو ماجعلها خاضعة لمايمكن تسميته ب "الوصاية السعودية" طوال عقود من الزمن ، ومن يتتبع تاريخ اليمن الحديث يدرك حقيقة وحجم الدور السعودي الفاعل والمؤثر في ماتشهده ربوع السعيدة فما من صراع سياسي نشأ فيها الا وكان للرياض دورا فيه وما من حرب اندلعت على أراضيها الا وكانت السعودية أما طرفا مباشرا فيها ابتداءا بالحرب مع المملكة المتوكلية اليمنية عام 1934 ومرورا بحرب الوديعة مع اليمن الجنوبي عام 1969 وانتهاءا بحرب صعدة السادسة ( عملية الأرض المحروقة) ضد الحركة الحوثية تحديدا عام 2009 ، أو من خلال دعمها لأحد أطراف النزاع المسلح كالحرب
الأهلية التي أعقبت ثورة 26 سبتمبر عام 1962 وأستمرت حتى عام 1970 بين الملكيين في صعدة المدعومين سعوديا في مواجهة الجمهوريين في صنعاء والذين ساندتهم مصر الناصرية وكذلك دعمها للانفصاليين الجنوبيين في حرب صيف عام 1994 ، ولعل القاسم المشترك بين كل التدخلات العسكرية السعودية في اليمن هو انها كانت جميعها موجهة ضد من يحكم في صنعاء على وجه الخصوص !!!
ومن هنا ندرك أهمية موقع اليمن الاستراتيجي للسعودية وطبيعة دورها التاريخي فيه وهو ماجعل البلاد وأمنها واستقرارها في قلب المصالح الجيوسياسية والاقتصادية السعودية معقدا بذلك محاولات بعض القوى السياسية اليمنية لاخراج اليمن من الدوران في الفلك السعودي سواء بتأسيس دولة مدنية حديثة لا مكان فيها لشيوخ القبائل الموالين للرياض كما سعى الرئيس ابراهيم الحمدي (زيدي المذهب) في سنوات حكمه القليلة للجمهورية العربية اليمنية (1974-1977) قبل أن تغتاله مراكز القوى القبلية والعسكرية في حادث غامض تشير بعض دلائله لتورط سعودي محتمل فيه ، أو بالانضمام للمحور الايراني المناهض للرياض وهو ماسعى اليه أنصار الله الحوثيين والذين أفقدهم غرورهم بالقوة المطلقة البصيرة السياسية وأعتقدوا ان بامكانهم انتزاع اليمن من المحور السعودي بكل سهولة ! ومن هنا انطلقت عملية عاصفة الحزم التي فاجئت الحوثيين وداعميهم الايرانيين لتنبأ بوجود قيادة سعودية جديدة (ينتمي الملك سلمان للجناح السديري المتشدد داخل الأسرة المالكة) لن تكون متساهلة كسابقتها تجاه التمدد الايراني في المنطقة خاصة بعد اقترابه من حدود المملكة الجنوبية وساعية في الوقت ذاته لتشكيل تحالف سني عربي قد تنضم له تركيا وباكستان وحتى حركة حماس في مواجهة خطط آيات الله في طهران وقم .
ان التدخل السعودي في اليمن لن يكون نزهة وستكون له عواقب وخيمة محليا واقليميا على المستوى الطائفي خصوصا اذا ماتهور الحلفاء العرب وقرروا الولوج برا في العمق اليمني ، لكنه مبرر من الناحية السياسية وهو الورقة الأخيرة التي تلعبها الرياض بعد نفاذ صبرها الاستراتيجي تجاه سياسات طهران والحل الأخير للحيلولة دون وقوع المملكة الصحراوية بين فكي الكماشة الايرانية فالقبول بيمن حوثي معناه ان الهدف القادم لن يكون سوى مكة !!
الموقف السعودي اليوم يذكرني بموقف حزب الله اللبناني غداة اندلاع الثورة السورية حيث لم يكن التورط في الصراع السوري خيارا مفضلا لقادة الحزب لكنه كان مبررا واضطراريا لمنع سقوط نظام دمشق الداعم الرئيسي للحزب وهمزة الوصل بينه وبين الجمهورية الاسلامية ولكي لايجد حزب الله نفسه محاصرا بين عدوه اللدود اسرائيل من الأمام وخصومه الاسلاميين السنة من الخلف وهو مايعني نهايته الحتمية .
ان حرب اليمن ليست حرب طائفية كما يردد البعض بسذاجة انها معركة مصالح اقليمية متضاربة هدفها استعادة النفوذ أو فرض الهيمنة وصراع ارادات دولية مختلفة لها هدف جيوسياسي واضح وهو السيطرة على
باب المندب للتحكم بطرق التجارة الدولية عبر قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز ، وهي ليست حرب سعودية صرفة انما عربية برأس حربة سعودي وبضوء أخضر امريكي تستشف منه وقائع أولها ان خيار اللجوء للحرب أصالة أو بواسطة الحلفاء الاقليميين من عدمه دافعه الأساسي هو المصالح لا المذاهب وهو مايجب أن يدركه جيدا الاسلاميين السنة والذين كثيرا ماتسائلوا بحماقة عن سر استهداف الامريكيين للجماعات المسلحة السنية دون الشيعية ؟! رابطين ذلك بشعارات مضحكة تتحدث عن مؤامرة (صليبية – صهيونية – صفوية) على أهل السنة !!! أما ثانيها فهو ان الاستيلاء الايراني على باب المندب هو خط أحمر دولي قبل أن يكون أمريكي وعلى الايرانيون استيعاب ذلك بوضوح وهم على أعتاب اتفاق نووي تاريخي مع الغرب يتطلب منهم تقديم قائمة تنازلات اقليمية (سيكون الحوثيين في طليعتها) ، حيث لا قدرة لطهران حاليا على نجدتهم لعدم وجود تواصل جغرافي بري وحصار جوي سعودي وبحري مصري .
ان سياسات الحوثي المتهورة والمفتقدة للحكمة والنضج السياسي والقائمة على فرض رأيهم على كافة الفرقاء السياسيين بقوة السلاح هي من تسببت بتلك الأزمة وهذه الحرب وهي حقيقة لا لبس فيها لكن العقل المدبر لكل مايحدث هو خصمهم السابق وحليفهم الحالي الرئيس السابق / علي عبدالله صالح حيث شكلت القوات الموالية له وأنصاره وخلاياه النائمة زخما حقيقيا مساندا للزحف الحوثي من عمران وحتى مشارف عدن ، فالرجل الذي سبق له أن استخدم التجمع اليمني للاصلاح ( الاخوان المسلمون في اليمن ) كأداة للانتقام من الحزب الاشتراكي في حرب عام 1994 عاد ليمارس هوايته المفضلة والمتمثلة في الرقص على رؤوس الأفاعي "حسب وصفه" مستخدما الحوثيين هذه المرة في تصفية حساباته مع خصومه السياسيين من العسكريين والقبائل والاخوان المسلمين والذين لعبوا دورا حاسما في اجباره على التنحي مطلع العام 2012 أثر توقيعه للمبادرة الخليجية والتي تضمنت خطأ تاريخيا منح بموجبه صالح حصانة حافظ بموجبها على منصبه كأمين عام لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وهو مامكنه من اداء دور تخريبي للمرحلة الانتقالية وصولا لمآلات الوضع الراهن ، رغم ذلك يجب على الحلفاء العرب أن يدركوا جيدا بضرورة تحديد هدف الحملة بتحجيم الحوثيين واجبارهم على الجلوس لطاولة الحوار لا استئصالهم لانه أمر عبثي ومستحيل فالحوثيين قوة سياسية واجتماعية ودينية وجزء لايتجزء من المجتمع والشعب اليمني شاء من شاء وأبى من أبى وهو أمر واقع لامفر منه مع التركيز على صالح لان اليمن لن تنعم بالاستقرار طالما استمرت الأعيبه ومؤامراته .
ختاما أتمنى أن لاينجر بعض العراقيين وكالعادة للتخندق الطائفي في حرب لا ناقة لنا فيها ولاجمل كما حصل في الحرب السورية والتي شارك بها كل من هب ودب دعما للنظام أو المعارضة بل وحتى داعش على حدا سواء لتنعكس مجريات الأحداث السورية على البلاد لاحقا وندفع ثمنا باهظا ليومنا هذا ، ولنتفق على أن مصلحة العراق تقتضي التغاضي عن سياسة المحاور الاقليمية و تجنيب البلد ويلات الحرب العربية على الحوثيين وتركيز جهودنا على تحرير أراضينا من الارهاب وبناء دولة المؤسسات الخالية من الطائفية والفساد .
مقالات اخرى للكاتب