في زمن ماقبل سقوط النظام البعثي ...كان حديث المعارضين والمتصدين لقيادة المعارضة ضد نظام صدام حديثا يشبه الى حد ما حديث المرشحين اليوم الى عضوية البرلمان العراقي ...! كانوا كلّما إلتقى أحدُهم بمجموعة عراقية ..أو إلتقى بوسيلة إعلامية إنتهزها فرصة للإدلاء بشهادته على ظلم النظام وبدأ بإحصاء جرائمه وتحدّث بإسهاب عن مشروع حزبه التغييري ..متمنياً إزالة الحكم الدكتاتوري حتى يرثَ كرسيه .. لاطمعاً بالكرسي ... حاشا للزّهاد أن يفكروا بذلك...! ولكن لأنصاف المظلومين وبناء المجتمع بناءا حضاريا ورفع مستواه المادي والثقافي ..تجوّلوا في معظم البلدان زائرين الجاليات العراقية لطرح رؤاهم ومشاريعهم المستقبلية بعد سقوط النظام الذي ماكانوا يعلمون كيف ومتى يسقط ؟ لكنّهم كانوا يعيشون هذا الأمل طال أم قرب لايهم ..المهم تسويق بضاعتهم التي كانت تعاني من البوار.. وجل بضاعتهم كانت ذرف الدموع على معاناة شعب العراق واطفال العراق وهدر ثروات العراق..وأيضا كان لوضع الجاليات العراقية في الخارج نصيب من تلك الدموع لما تمر به من معاناة الإغتراب وعدم قدرتها على فتح مراكز خاصة بشبابها ومدارس تحافظ على لغتهم وتاريخهم وتعرّفهم بوطنهم .. تلك هي الهموم التي كانت تثقل كاهل قادة معارضة الأمس قادة العراق اليوم ! ما كان يهمنا كثيرا كلامهم.. لأنه عبارة عن تمنّي.. والتمنّي رأس اموال المفلسين كما هو معلوم عند خبراء الإفلاس.. وهم والحمد لله كانوا يعيشون في عمق الإفلاس السياسي والمالي .. وفي نفس الوقت لم نكذّبهم لأننا لم نجرّبهم . ولم نتوقّع أنهم سيحكمون العراق يوما ما.. لأنهم لايملكون شيئا من ادوات التغيير التي تؤهلهم لمقاومة النظام فضلا عن إسقاطه ..ولكن شاء الله وشاءت الأقدار .. أن تتحقق احلامهم ! ويبعث الله لهم غراباً يقودهم بيسر وهدوء ويجلسهم على كرسي السلطة بلا مقاومة وبلا عناء ! ومن ثم بدأنا نسمع القوانة المخرومة منهم وفي كل مناسبة خطابية وماأكثرها ..بأن وصولهم الى السلطة هو ثمرة دماء فلان وفلان ودماء الشهداء..! وهم لازالوا يغطي وجوههم غبار الدبابات الأمريكية ويملأ إنوفهم دخانها الكثيف ! مع ذلك فرحنا جميعا بهذا التغيير الذي جاء بعملية قيسرية لازال نزيفها مستمرّا الى ساعتنا هذه ، تولّى السلطةَ تجار المبادي وسكنوا قصور أركان النظام السابق والأملُ يحدونا أن نرى وعودهم تتحقق على أرض العراق المحررة من قبضة الدكتاتور..، وأن يفوا بعهودهم التي قطعوها على أنفسهم بنقل العراق والعراقيين الى مصاف الدول المتقدمة وأن يحققوا للمواطن العراقي كل مايتعلق بشؤونه الحياتية ... وان يجمعوا شتات العراقيين ويرعوا أبناءهم الذين تشتت أفكارهم وتحيّرت عقولهم بين ثقافتين مختلفتين ...ثقافة الآباء وثقافة بلد الإغتراب الذي ولدوا ونشأوا فيه ..فماالذي تحقق من تلك الوعود ؟
بعد مرور أكثر من 11عاما على تغيير النظام السابق لم نشهد إلا تكريسا مقيتا للحزبية والطائفية والدمار المنظم للبنية التحتية وسرقة الأموال العامة وإستئثار الأقارب والحزبيين بثروات الشعب .. وزيادة في معدل الفساد والتجاوز على ممتلكات الدولة ..وتمزيق لوحدة الشعب والبلد .. وازمات لاحصر لها على جميع المستويات .. وإرتفاع مضطرد في معدل الموت اليومي ..وإستمرار نزيف الدم العراقي .. وإهمال متعمد الى عراقي الخارج وتركهم في ما كانوا عليه في الزمن الغابر ..مع تمسّكهم بالمناصب وكأنها ملكا صرفا لهم ولعوائلهم ! تماما مثل ماكان يفعل النظام السابق ..بل زادوا عليه في طريقة النهب والإستحواذ على كل ماتصل إليه أيديهم ! والشعب في موقف لايُحسد عليه وكلّما إرتفع صوتٌ يستعرض بعضَ فسادهم ..قمع بأدوات متعددة ..مرّة يعزفون على وتر الطائفية ويضحكون على عقول البعض الساذجة ويرددون نغمة المذهب ويذكرونهم بالحرمان والمنع الذي كان يمارسه النظام السابق ..فيقولون لهم يكفينا ان نسمع أشهد ان عليا ولي الله وغيرها من العبارات التي لايؤمنون هم بها اصلا لكنهم يمارسونها كتجارة بخسة يمنون بها على الشعب وكأنها من صنع أيديهم ! متناسين ولي نعمتهم المحتل الذي اركبهم وسلمهم مفاتيح موجة التغيير ! وفي كل مناسبة إنتخابية يستعرضون أمام الشعب الذي يتوهمون إستغفاله ويظهرون بمظاهر يلفها النفاق والتلوّن ويُعيدون نفس الأساليب التي تمسكنوا فيها حينما كانوا لايملكون شروى نقير ... إعتادوا على شراء الأصوات والذمم وخالفوا كل القيم واثبتوا للعالم أجمع أنهم لايختلفون عمّن سبقهم بل إزدادوا سوءا ..! الله اكبر مالذي جناه هذا الشعب ؟ يذبحه الأبعد ويخونه الأقرب .. الى متى نبقى ضحايا التشرذم السياسي والطائفي والمجتمعي ؟ أكثر من عشرة آلاف مرشح.. وهو عدد ربما يفوق عدد انبياء بني إسرائيل يحملون الألواح والمصاحف ويبشرون بالخيرات ..لكنهم لايملكون مفاتيح الجنان ! أنبياء بني إسرائيل حقيقيون وكذبهم قومهم ..وأصحابنا...سنصدّق بعضهم وسنكفر بالبعض الاخر خصوصا الذين جرّبناهم وسرقونا وكذبوا علينا ..سنكفر بالواحهم وكتبهم وبشعاراتهم المزيفة وسنرجمهم..وإنّ غدا لناظره قريب.
مقالات اخرى للكاتب