قبل ان نخلع ما في جعبتنا من احلام,قد تشرق من غروب العملية السياسية, ظاهرة تحمل عطر ربيع ذاك الزمن المعطاء, ونتقيء اوهام استهلكت مواقفنا ونعلق الأمل على عتبة اجيال قادمة من رحم المعاناة العراقية , تذكرنا على ان العراق لم يدفن بعد , ولا زال واقفاً يتنفس برئة مستقبل واعد يستمد عافيته عبر شرايين لم تنقطع عن تاريخه الوطني , ذاك الذي شربته الأمهات مع مياه الرافدين , ننتظره قادم مع حليبهن الطاهر يجري نشيطاً في روح المشروع الوطني العراقي , دون ان نبحث عنه في غسيل اكثر من اربعين فضائية طائفية قومية ترطن لنا مبررات الموت العراقي وتخريجات ساسـة مستنسخين من قمة فسادهم حتى اخمص فضائحهم .
كان الخبر قد نقله موقع الأخبار الألكتروني لصاحبه الأعلامي المعروف نوري علي عن صحيفة اجنبية " رشحت جريدة لوس انجلس تايمس محافظ ميسان علي دواي لازم , كافضل شخصية حكومية محلية في الشرق الأوسسط لعام 2012 , في مجال العمل وتقديم الخدمات ... وذكرت لوس انجلس تايمس , ان ترشيح المحافظ جاء بناء على بساطته وشعبيته ونزاهته وخروجه الدائم من مكتبه الى الشارع , ومشاركته عمال البناء وكناسي الشوارع اعمالهم ... اضافة الى فوز احد شوارع محافظته بجائزة انظف شارع في العراق .. ووضع حجر الأساس لاول جسر معلق في الجنوب .. وغير ذلك من الأعمال غير المعتادة في حياة المسؤولين . " .
دفعتني مكابرة الأحباط , للأتصال ببعض المقربين في العمارة, سمعت اقوال جميلة مثلما شاهدت صوراً, رجل في بدلة زرقاء وقبعة عمل احياناً بين العاملين في اماكن البناء والخدمات, مكتفياً برضى اللـه ومواطني محافظته عن خدماته , انه ظاهرة لم تكن يوماً دخيلة على معدن الأنسان العراقي .
لا يعني اطلاقاً , لأي طائفة ومذهب وقومية وتيار وكتلة ينتمي الرجل , حيث وفي هذا الزمن الأغبر , مثل علي دواي شخصيته وقيمه وصدق ايمانه وموقفه ومهنيته ... انه احب وخدم اهله ومدينته , هذا الحب وحده يربط المرء بوطنه ويمتد انسانياً الى مجالات غير محدودة , ما يدهش ويثير الأعجاب , انه انجز واجبه والتزاماته وتجاوز ايجاباً حدود وظيفته صامتاً في منتهى التواضع , في وقت نسمع الهجين البائس لأطراف العملية السياسية ورموز حكومة شراكتهم, كالعلب الفارغة يضجون بمفردات لا يعنونها اويفهمونها ( الألتزام بالدستور ... مبدا الحوار ... الشراكة الحقيقية .. مبدأ التوافقات ... الألتزام بتوجيهات المراجع الدينية في النجف الأشرف ... قامة الصلاة الموحدة ... الطاولات المستديرة ... مبادرة المؤتمر الوطني .. واخيراً وليس آخراً "" ميثاق الشرف "" وهم لم يستبقوا للشرف خيطاً يمكن ان يغزلوا منه ميثاقاً .
من وضع العراق في مأزقه الراهن ... من يفرخ الأزمات ويستحوذ على ثمارها ثم يترك حصرم سؤ الفهم والبغضاء والأحقاد والكراهية والخوف من الآخر حصة للمواطن ... ؟؟؟ , ثرثرة الهجين لا يقطعه الا الصمت المتعلق بأستبدال واقعهم الشخصي والعائلي .
رغم ثقتنا , ربما يحاصر السيد علي دواي او يتراجع ( لا سامح اللـه ) , فأنه وفي جميع الحالات, عبر عن ظاهرة عراقية اصيلة ستتسع وتنضج كماً ونوعاً نلاحظها الآن عند الكثيرين من الأخوات والأخوة من داخل وخارج العملية السياسية, يحملون صدقاً هم الأنسان والوطن .
بالتأكيد , ان مدمني الفساد وتجار الأزمات , سوف لن يطيقوا التعايش مع مظاهر النزاهة والكفاءة والمهنية التي يمثلها الآن محافظ ميسان السيد علي دواي او غيره , وربما قد يلتفوا عليها عبر دسيسة توافقية تحالفية للعزل والتهميش والألغاء , لكنها وفي جميع الحالات, لا تستطيع ان تنتزعه من ذاكرة ميسان , وستبقى تجربة ومثال تضغط وتفرض نفسها على القادم مع الأنتخابات , انه المشروع الوطني يتحرك نشيطاً من داخل حراك المجتمع العراقي .
ان ظاهرة المحافظ علي بداي وغيره , تثبت للبعض من اصحاب الوصفات الجاهزة , ان الأيمان الصادق بعقيدة ــ مـا ــ , لا يلغي ولا يضعف روح المواطنة وصدق الأنتماء والولاء عند المؤمن , اذا كان وطني المعدن , وان الفاسدين , من انتهازيين ونفعيين ووصوليين , لا يمكن ان تكون لهم هوية انتماء وطني من خارج مستنقع فسادهم الذاتي , ومثلما يكون من بين المتدينين, طائفيين تكفيريين الغائيين , فمن بين مدعي العلمانية والليبرالية واليسارية من هم اكثر تكفيراً والغاءً لآخر , والفاسدين على اشكالهم , مستعدون على تبادل الأدوار , ليتقمص كل دور الآخر , فالعلماني الليبرالي يصبح طائفي كريه , ومثله الطائفي عندما يتقمص دور العلماني الليبرالي , انها المصالح والمنافع تبرر الأسؤأ لوجهي عملة الأنحطاط السياسي والثقافي والفكري وحتى الأخلاقي .
المحافظ علي دواي , لا ينتظر ولا يطلب شكراً مقابل تاديته لواجبه تجاه اهله ومدينته ووطنه , لكن سنشكره والعاملين معه عندما نزور ميسان يوماً فنجدها عروساً سومرية عامرة بالفرح راضية عن نفسها مبتسمة لحاضرها حالمة بين ماض تليد ومستقبل سيولد زاهراً , وقد تركت فضلات حزنها وسواد قسمتها علفاً لمن تطفلوا على تقديس جهل اهلها وتخلفهم وتاريخ معاناتهم .
قد لا نجد السيد علي دواي محافظاً لميسان او موظفاً في دوائرها , لكننا بالتأكيد سنلتقيه في ذاكرة الناس والمدينة , وتحدثنا عنه انجازاته , ونشكره قبلة على جبين العمارة والجنوب العزيز .
مقالات اخرى للكاتب