منذ اكثر من 23 عاما، والعراق يعيش في ظروف غير طبيعية، والسبب قيام النظام السابق باجتياح دولة الكويت واسقاط صفة «الدولة» عنها واعلانها المحافظة العراقية التاسعة عشر..
وكلنا نعلم ان ما اعقب ذلك كان سلسلة من الكوارث والمصائب، وما زال العراق لحد اليوم يدفع فاتورة تلك الحماقة الكبرى، وبحسب تقارير صحفية فان العراق دفع لحد الان 30 مليار دولار للكويت من اصل 41 مليار كتعويضات عما اصابها من اضرار، ناهيك عن العشرات من ملياراتٍ اخرى لشركات وافراد ومؤسسات تضررت في الكويت بفعل ذلك الغزو.
وبطبيعة الحال، ان الخسارة المادية الضخمة للعراق لا تتوقف على ما دفعه للكويت وغير الكويت، لان الخسارة الاكبر كانت في البنية التحتية العراقية التي اصابها الدمار شبه الشامل وهذا لا يقدر بثمن، ناهيك عن خسائر غير مباشرة في قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة ووو الخ.
ولكن اعتقد ان في العراق الان «محافظة تاسعة عشر» اخرى، وتستنزف الموارد والخزينة العراقية المنهكة اصلا، والانهاك متأتٍ من الفساد المالي والاداري بالدرجة الاولى، ويليه الاعمال الارهابية المسلحة التي تستنزف ما لا يمكن الاستهانة به.
المحافظة التاسعة عشر التي اقصدها هي «رواتب» اعضاء مجلس النواب واعضاء مجالس المحافظات والاقضية والنواحي، الحاليين والمتقاعدين.
قبل بضعة سنوات قال خبير اقتصادي امريكي، انه «بعد عقدين من السنين سيكون في العراق جيش كبير من المتقاعدين من اصحاب الرواتب العالية والضخمة والذين سيشكلوا عائقا هاما امام نمو الاقتصاد العراقي وستشكل رواتبهم عبئا هائلا على الخزينة الوطنية».. وكان يقصد المتقاعدين من السياسيين والنواب واعضاء مجالس المحافظات والاقضية العراقية.
بصراحة انا لا املك اية ارقام عن رواتب جميع هؤلاء السادة والسيدات من النواب واعضاء مجالس الاقضية والنواحي والمحافظات، المستمرين بالخدمة او المتقاعدين منهم، لكنني اعرف جيدا انه قبل فترة قصيرة استلم اعضاء المجالس اياها، عدا النواب، فروقات عن رواتبهم وصلت الى 90 مليون دينار فقط..!!
كما ان تقارير صحفية كشفت على ان الراتب التقاعدي لرئيس مجلس النواب السابق، محمود المشهداني يبلغ 40 الف دولار شهريا وليس سنويا..!!
والقنبلة الحقيقية كانت فيما كشفت عنه النائبة حنان الفتلاوي عن ائتلاف دولة القانون، عندما اعلنت امام وسائل الاعلام انه «بحساب بسيط، اذا قمنا بدراسة المبالغ التي تصرف للرواتب التقاعدية لاعضاء مجالس النواب والمحافظات، دون اعضاء المجالس المحلية والاقضية والنواحي في شهر واحد يعادل 9 مليار و60 مليون دينار، وفي سنة واحدة 108 مليار و796 مليون دينار».. وتابعت» خلال الـ8 سنوات الماضية للجمعية الوطنية والمجلس الوطني المؤقت ومجلس النواب السابق والحالي واعضاء مجالس المحافظات المبلغ المصروف تقريبا وربما اكثر 654 مليار و290 مليون دينار».. داعية «هيئة رئاسة مجلس النواب واعضاء مجلس النواب الاستجابة الى مقترحها وتشريعه والذي يتضمن الغاء الرواتب التقاعدية لاعضاء مجلس النواب واعضاء مجلس المحافظات». مؤكدة» انها قدمت مقترح قانون موقع من 8 اعضاء», موضحة» ان هناك استياء من بعض النواب وردة فعل غير جيدة ورضا النائب ليس الهدف وانما رضا الشارع هو الهدف».
لا اريد الاقتباس من تصريحات لبعض السادة النواب كي لا يطول الموضوع، لكن النائب بهاء الاعرجي، عن التيار الصدري، اطلق تصريحا يجب الانتباه له عندما قال ان «الغاء او تخفيض الرواتب التقاعدية لاعضاء البرلمان ومجالس المحافظات هو مطلب شعبي حيث ان هناك من يخدم الشعب العراقي والدولة العراقية لمدة ثلاثين سنة ولا ياخذ 10% من الراتب التقاعدي الذي ياخذه الاعرجي او مها الدوري (النائبة عن التيار الصدري) ايضا.
ورغم ان تقارير صحفية تحدثت عن خطوة مضادة من بعض النواب الحاليين والمتقاعدين، والذين يرومون تاسيس جمعية هدفها الدفاع عن «مكاسب» و «حقوق» اصحاب تلك الرواتب الفلكية، لكن لا يمكن ابدا السكوت عن الفوارق الهائلة بين رواتبهم وبين رواتب المتقاعدين ممن يتقاضون 100 او 150 دولارا او حتى 250 دولارا شهريا.. فمن غير المعقول ان يستلم احدهم راتبا تقاعديا يتجاوز الخمسة الاف دولار شهريا بدون وجه حق، مقابل عمل لم يستمر لاربع سنوات.. بينما يستلم من قضى اكثر من 30 سنة في الوظيفة نحو 300 دولار شهريا على ابعد تقدير.
وقبل الختام اقول، انه مثلما استنزفت الكويت خزينة العراق بعد اعلانها المحافظة التاسعة عشر، فان رواتب النواب تكفي لتاسيس واستحداث محافظة جديدة مع تجهيزها باحدث مشاريع البنى التحتية والفوقية، لكن للاسف كل هذه الاموال تذهب كرواتب تقاعدية لابناء محافظة خفية تستنزف ما يستنزفه الفساد والاعمال الارهابية.
وينبغي ان يقتدي العراق، وبضمنه اقليم كوردستان، في هذا المجال ببعض الدول المتطورة، حيث يتم تخصيص «مكافئة نهاية الخدمة» تمنح للنائب او عضو المجلس المنتهية دورته، والاهم من كل ذلك البدء باجراءات تخفيض رواتبهم اثناء الخدمة بما لا يقل عن 50%، ومن لا يعجبه ذلك، ليترك باب الترشيح للاخرين.
مقالات اخرى للكاتب