تساءل الناس وأجاب المحللون: "إن فوز روحاني في الانتخابات نكسة واضحة للمحافظين وخط المتشدّدين وتراجع لشعبيتهم بين الناس، فوز روحاني الإصلاحي هو ليس إلا ناتج عن سأم المواطن الإيراني من النظام الإسلامي القائم على رقاب الشباب منذ أن فتحوا أعينهم على الحياة، إنّ المحافظون ما استطاعوا تزوير الانتخابات هذه المرة بعد أن فعلوا ذلك في الدورة السابقة، فالفارق كان كبيراً هذه المرة.."
ولكن..
كان بإمكان المرشد أن يأمر المحافظين بالانسحاب لصالح مرشح محافظ واحد ليتنافس مع إصلاحي واحد أو أن تقلص وزارة الداخلية المؤتمرة بأمر المحافظين نسبة فوز روحاني تحت النصاب المقرّر دستورياً ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية وبالتالي تفويز المحافظ الأكثر شعبية بالانتخابات، فلو أرادوا ذلك لفعلوه بلا أي شك، لكنّ روحاني جيء به.. نعم جيء به ليعيد تثبيت أسس النظام الإسلامي التي طالما ظلت محفوظة بيد المرشد.. جيء به ليعين أقطاب ورموز الثورة الأولى في الحفاظ على ثورتهم، ثورة الجمهورية الإسلامية.
لكن من جاء به؟ ومن الذي قرر فوزه في الانتخابات قبل الانتخابات؟! فكل ذلك كان مخططاً له منذ أربعة سنوات أي منذ الاحتجاجات الذي شهدتها إيران لإسقاط نظام الفقيه بحجة تزوير الانتخابات الرئاسية السابقة!! إن الذي جاء به وخطط لفوز رجل مثله هو المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله على خامنئي، لثلاثة أسباب:
أولاً: ليعيد للشعب الإيراني ثقته بنظامه الإسلامي وبرجال الدين الذين كانوا منبوذين في الآونة الأخيرة، وبالفعل حصل ذلك إذ كان ذلك الحماس الذي خرج من اجله نفس الشباب المحتجين قبل أربعة أعوام ضيّع كل آمال معارضي النظام الإسلامي الذين كانوا يخططون لإعادة الاحتجاجات تلك بتفادي جميع الأخطاء التي حصلت، والخطط التي أفشلتها الحكومة، فإن الشباب كانوا مستعدون لتنفيذ الأوامر الغير مباشرة من قبل المعارضين في الخارج والمدعومين من الدول المعادية للنظام، وازداد ذلك الحماس بعد أن ظن الشباب المخمليين أنّهم المنتصرون بعد أن صبروا لأربعة سنوات! وظنوا إنهم استطاعوا أن يصلوا إلى مبتغاهم في التغيير!
ثانياً: لقد ثبت من خلال التجارب أن أبناء أي معارضة يكونون بمستوى حماسي وثبوتي أكثر بكثير من أنصار الحكومات، والشاهد على ذلك ما حصل في العديد من الدول عربية وغير العربية، فالمعارضة حتى وان كانت اقل من المناصرين والحياديين لكن التغيير دوماً ما يبقي في أيديهم وان طال الزمن، ولطالما تبقى قياداتهم خارج السلطة يبقى الأنصار أكثر تعاطفاً وحماساً معهم، فالحراك الشعبي مؤثراً بشكل كبير داخلياً وخارجياً على حد سواء، لذلك الآن اقتضت المصلحة ان يستريح المحافظون ويشكلون معارضة للحكومة ليس هدفها إسقاط الحكومة بل رقابتها، هنا يستعيد جمهور المحافظين حماسه الثوري كما حصل في عهد حكومة محمد خاتمي.
ثالثاً: لا يختلف اثنان على ما تحتاجه السياسة الخارجية الإيرانية لكثير من المرونة والدبلوماسية بعيداً عن المقاومة الدبلوماسية والمواجهة كما يعبّر عنها المحافظون، فمثل روحاني حتى وان تعاون مع القوى العظمى بمرونة فإنه لا يعكس استسلام المحافظين وعلى رأسهم خامنئي نفسه، فإنّ جلّ اللوم سيُصبّ على الإصلاحيين فيما بعد، فروحاني المعتدل محسوباً عليهم شاءوا أم أبوا ذلك.
روحاني جيء به ليحافظ على تثبيت النظام الإسلامي ويعيد ترميمه بعد أن شعر المؤسسون انه ربّما آيل إلى السقوط!! فهو ابن النظام البار قضى فترة شبابه معارضاً للشاه وأيام كهولته مناصراً للخميني حتى أصبح ممثلاً لخامنئي في مجلس الأمن القومي الأعلى وحينما فاز بالرئاسة جدد عهده للمرشد ونعت نفسه بالابن الأصغر له، إذ كانت أول زيارة رسمية له يقوم بها بعد الانتخابات هي زيارة المرشد، وأول مؤتمر صحفي له ابتدأه بشكر المرشد، إذ وصفه بـ"مقام معظم رهبري" أي مقام القيادة المُعظّم..
لقد تهدّمت كل مخطّطات الغرب والمعارضة الإيرانية الخارجية بفوز روحاني، فمريم رجوي اعتبرت أنّ روحاني كذلك ليس رئيساً شرعياً لإيران ولم يعر أي محتفلٍ اهتماماً لبيانها وضربوه عرض الحائط وهم المنتصرون في الانتخابات، وخرج نتنياهو وهو يصرخ أن سياسة إيران لم ولن تتغير بفوز روحاني افهموا أيها الغرب!! وبالفعل ساند النظام السوري قبل تسلّمه السلطة ودافع عن حق إيران النووي.. السياسة نفسها لكن بأسلوب جديد ووجه جديد، حفاظاً على النظام من الداخل أولاً والخارج ثانياً..