في الثاني والعشرين من يونيو \ حزيران من عام 1941 شنت القوات النازية الألمانية هجوما مباغتا على الاراضي السوفييتية بالرغم من وجود معاهدة عدم اعتداء بينها وبين الدولة السوفييتية. لقد فوجئ السوفييت بالهجوم بدليل تعرضهم لخسائر بشرية وعسكرية كبيرة ومهينة لم يكونوا مستعدين لها علما ان القيادة السوفييتية كانت قد أحيطت علما بالاستعدادات العسكرية الألمانية لكنها لم تقابلها بجدية كافية. الألمان من جانبهم كانوا قد خططوا لذلك الهجوم المباغت ليحققوا انتصارا سريعا ويكبدوا الطرف الآخر أكبر خسائر ممكنة في أقصر فترة وبأقل التكاليف. وبالفعل نجحوا بمخططهم ذاك حيث دمروا في اليوم الأول للهجوم 1200 طائرة عسكرية وهي رابضة في المطارات وهيمنوا بنفس الوقت على مناطق اقتصادية شاسعة يقطنها 40% من السكان تنتج حوالي 68% من اجمالي انتاج الحديد الخام و58% من الصلب و60% من الألمنيوم و38% من الحبوب و63% من الفحم. لكن بدءا من شهر ابريل \ نيسان من عام 1942 تم وقف الهجوم الكاسح الذي امتد على جبهة مداها ألفي كم حيث أحبطت كليا خطة الحرب الخاطفة التي أرادها هتلر وبدأت خرافة الجيش الذي لا يقهر تتكشف جلية أمامه وأمام قادته بعد الهزائم التي توالت سريعا.
لكن قبل وقف الهجوم كانت بعض طلائع الجيش النازي قد وصلت الى مشارف العاصمة السوفييتية وكانت قادرة على رؤية بعض مباني موسكو من المواقع التي استقروا فيها حيث كانوا على بعد 30 كم منها وتهيأ لهم أن الحلم النازي وشيك التحقيق وان العاصمة السوفييتية ستختفي وسيحولون سكانها الى عبيد. لم يخطر ببالهم أبدا ان ثمن أحلامهم سيكون باهظا جدا وهو ما حصل بالفعل عندما عاقب الشعب السوفييتي منتهكي سيادة وأمن بلاده وسراق ثرواته. لقد شنت القوات السوفييتية هجوما مضادا على مختلف الجبهات لم يتوقف الا عند العاصمة النازية وتوقيع وثائق استسلام المانيا دون قيد أو شرط لقائد الجيش الأحمر السوفييتي في برلين اضطر على اثرها الزعيم النازي هتلر على الانتحار هربا من هول الخزي والعار الذي ألحقته مغامراته الطائشة بالشعب الالماني.
الادارة الأمريكية الحالية لا تتبع سياسة تعاون وصداقة مع دولة روسيا ، بل على العكس تمارس سياسة عدائية متجاهلة الاتفاقات السياسية والعسكرية الموقعة بين البلدين في فترة وجود الاتحاد السوفييتي وما بعده مع روسيا الاتحادية. فخلال ولاية الرئيس الأمريكي الحالي استكملت خطة انتماء الدول الاشتراكية السابقة الى معاهدة الدفاع المشترك ( الناتو ) وتم اقامة قواعد عسكرية للحلف في أكثرها وأجريت وتجري مناورات عسكرية مشتركة بالسلاح الحي على الحدود المحاذية للاراضي الروسية. وقامت باقامة قواعد للصواريخ الموجهة صوب روسيا على بعد أقل من 400 كم عن قلب موسكو في كل من رومانيا وبولندا وتركيا كمقدمة لتعميم ذلك في كافة الدول التي تحاذي الأراضي الروسية.
وتتجه سياسة الادارة الامريكية الحالية الى احياء سياسات بوليسية ولى عهدها اتبعت ابان الحرب الباردة في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي بنموذجها السيئ الصيت المعادي للشيوعية المعروف بالمكارثية نسبة الى السناتور الجمهوري جوزيف مكارثي. حيث تم بقيادته تشكيل لجان للتحقيق مع شخصيات من مختلف فئات المجتمع الامريكي بتهمة الشيوعية أو التجسس للاتحاد السوفييتي شملت كتابا وأطباء ورجال دولة ورؤساء جمهورية سابقين ورجال شرطة وجيش واساتذة جامعات ومحاكمتهم بتهم ملفقة لزجهم في السجون وكان الغرض منها اشغال الناس عن التفكير بمشاكل الفقر والعوز والبطالة والجريمة المنظمة وانتهاك المبادئ الديمقراطية. اذ يجري الآن تشريع قانون جديد لاعتقال ومحاكمة الموالين لروسيا أو التجسس لصالحها في انحاء البلاد على غرار المكارثية فالواقع الحالي لسياسة الخارجية الامريكية يكرس العداء لروسيا بحجة تهديدها لأمريكا وحلفائها في الناتو بينما العكس هو الصحيح. فليس لروسيا أية سفنا حربية مقابل الشوطئ الأمريكية أو أية قواعد عسكرية روسية في دول محاذية لحدودها تهدد أمنها القومي.
لكن سياسة محاصرة روسيا بالقواعد العسكرية التي زرعتها في دول أعضاء في حلف الناتو هي سياسة استفزازية وخطرة وقصيرة النظر ، فالدولة الروسية دولة نووية وما تحتفظ به من اسلحة من هذا الطراز ربما يفوق ما لدى الولايات المتحدة وأن جزءا يسيرا منها يكون كافيا لتدمير الحياة ليس في الولايات المتحدة فحسب بل الحياة على الأرض ، لكنها رغم ذلك تصر على انتاج المزيد منها لتهديد روسيا والصين الشعبية. ومع ان الولايات المتحدة على معرفة بذلك وتعرف أيضا ان لدى روسيا صواريخها البعيدة المدى القادرة على حمل الرؤوس النووية الى أهداف داخل أراضيها لكنها تتجاهل كل ذلك. وكتعبير ذي دلالة قامت الطائرات الروسية المقاتلة في تموز \ يوليو من عام 2015 بطلعات جوية في محاذاة شواطئ كاليفورنيا للمرة الأولى في تاريخها. وهي رسالة واضحة أرادت بها روسيا اشعار الادارة الأمريكية بانها اذا ما قررت الدخول في حرب مع روسيا فان الأخيرة ستنقل الحرب الى الاراضي الأمريكية.
وكجزء من سياسة الاصرار على التهديد التي تنتهجها ضد روسيا انهت وزارة الدفاع الأمريكية تجاربها على قنابل نووية تاكتيكية (ب 61 - 12) في شهر أكتوبر 2015 وتخطط لنشرها في عدد من الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي وهو مخالف للاتفاقات المعقودة مع روسيا القاضية بعدم نشر قنابل نووية من هذا الصنف خارج الدول النووية. وقد تم بالفعل نشر مثل هذه القنابل في دول بلجيكا وهولندا وألمانيا وايطاليا وتركيا حيث ثم الاحتفاظ بها في 90 موقعا محصن في ستة قواعد لطائرات مقاتلة قادرة على حملها. علما ان الدول المذكورة موقعة على معاهدة عدم الانتشار النووي ( ن بي تي ) لعام 1968. حيث تنص الفقرة الأولى من المعاهدة على امتناع الدولة النووية عن نقل السلاح النووي الى دول أخرى. بينما تنص الفقرة الثانية من المعاهدة على امتناع الدول غير النووية عن استلام أي سلاح نووي. وبذلك تكون الولايات المتحدة ودول الناتو قد خرقوا عن علم أهم معاهدة دولية.
القنابل التاكتيكية ( ب61 – 12) تشكل جزءا اضافيا للسلاح النووي الاستراتيجي الأمريكي وهي كافية لاحداث دمار واسع في العمق الروسي. ولهذا طلبت روسيا من الولايات المتحدة سحب تلك الاسلحة من أوربا كشرط مسبق لأي مفاوضات تعقد في المستقبل بين الدولتين. وقد فشلت عدة محاولات لعقد قمة بين رئيسي الدولتين لمعالجة المشاكل العالقة الناتجة عن الخروقات الامريكية. ورغم ذلك ما تزال الدولتان القوة الأكثر تأثيرا في فرض الالتزام بمعاهدة عدم الانتشار النووي وكان الاتفاق مع ايران والاجتماع القادم المتفق عليه مع كوريا الشمالية بمشاركة الصين الشعبية وكوريا الجنوبية واليابان حول ملفهم النووي أمثلة على ذلك . وهكذا نرى ان حوالي الخمسين عاما من التعاون في الرقابة والسيطرة على السلاح النووي التي مارستها الدولتان تواجه مصاعب جدية بل أزمة حقيقية وتتحمل الولايات المتحدة وحدها المسئولية عن ذلك, فما اتخذتها وتتخذه حاليا من قرارات اشرنا لبعضها سلفا لا يخدم قضية استتباب الأمن الاقليمي والعالمي ، بل ويقود الى انهيار النظام الذي بوشر ببنائه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الذي ضمن تقليص المخزون النووي والسيطرة على التسلح وازالة التوترات أو تخفيض حدتها اقليميا وعالميا.
لألبرت أينشتاين عالم الفيزياء الشهير قول بليغ وعميق المعنى بشأن مخاطر السلاح النووي الذي كان قد ساعد هو في اكتشافه يقول فيه : " أنا لست على معرفة بأي سلاح سيحارب في الحرب العالمية الثالثة ، لكني أعرف بأي سلاح سيحارب في الحرب العالمية الرابعة سيحارب بالعصي والحجارة."
'' I know not with what Weapons World War 3 Will be Fought , but World War 4 Will be Fought with Sticks and Stones ''
مقالات اخرى للكاتب