يتجه الخيار الأمريكي الصهيوني بتسارع باتجاه التدخل العسكري في سورية، والدليل هذه الحملة الإعلامية المضللة حول الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية على الأرض السورية... إلى آخر ما يتم في إطار حملة هدفها تلفيق الاتهامات لسورية ولنظامها الوطني بأنه هو من يستخدم هذه الأسلحة، وذلك تمهيداً للتدخل العسكري في سورية. فقد نشرت البحرية الأميركية مدمرة إضافية في منطقة البحر المتوسط، ما رفع إلى 4 عدد السفن الحربية المجهزة بصواريخ كروز من طراز توماهوك في هذه المنطقة، ومعلوم أن كروز سلاح أساسي في مستهل أي تدخل عسكري أميركي، إذ لا بد من إطلاقها عند بدء النزاع من أجل ''فتح الباب'' والقضاء بشكل خاص على الدفاعات الجوية. فعلى حين، دعت موسكو إلى عدم ارتكاب ''خطأ مأساوي'' باعتماد الخيار العسكري في سورية، معلنة أن الولايات المتحدة تقترب من تكرار ''السيناريو العراقي'' فيها، حذرتها طهران من تجاوز ''الخط الأحمر''، بينما واصلت بعض الدول الغربية ضغطها على دمشق وتلويحها بالخيارات العسكرية ضدها. التحذير الروسي والإيراني لواشنطن من التدخل العسكري لحل الأزمة السورية يطرح الكثير من التساؤلات ... لتبقى الأجوبة مفتوحة على الكثير من الاحتمالات ولا سيما أن شرارة الأحداث لن تبق في نطاقها الجغرافي الضيق بل إن شرارتها ستلهب دول الجوار وما يسمى شرق أوسط ''رايس'' الجديد، هذا فضلاً عن أن ما يجري في سورية هو صراع إرادات بين ائتلافات دولية لها وزنها وثقلها السياسي والعسكري على مسرح الأحداث ولعل الساحة السورية هي النقطة المفصلية التي ستغير قواعد اللعبة حيث لم يبق وقت للندم لأن الوقت سيكون في كسر إرادة من باع نفسه لشيطان عربان النفط. فإدارة خَلَفِ ''جورج بوش الإبن''، ''باراك أوباما'' تؤسس الآنَ لِعدْوانٍ تدميري شامِل مبَيتٍ ليس فقط على سورية ـ التي كانت هَدفاً مُباشراً مُدْرَجاً على أجندةِ غزْوِ العِراق لولا أن أوقَفتها المقاوَمَة الوطنية العِراقية في حدودِ أرض السواد ـ بل يشمل هذه المرّة حزمة أهداف شرّيرة واحدة، إيرانَ والمقاومة الوطنية اللبنانية والمصالح الاقتصادية والجيوسياسية الروسية والصينية، وهي تؤسس لهذا العدوان على تخوفات واهية مِن امتِلاكِ الجيش السوري أسلحة كيماوية استخدمُها في لحظةٍ ما مِن الصِّراعِ الدائر حالياً ضدَّ مجموعات إرهابية يحمل أفرادُها جنسيات مختلفة، يسمونها في إعلامهم وتصريحاتهم السياسية المتهافتة ''الشعب السوري". لذلك، وفي سياق مؤامرة ما يُسمّى ''الربيع العربي'' لاستئناف تنفيذِ خطة ''برنارد لويس'' من أجل إقامة الشرق الأوسط الكبير، الهادفةِ إلى تفتيتِ الدولِ الواقعةِ جغراسياسياً بين الباكستان ومراكش، واستبدالها بدويلات فاشلة تقوم على أسس عرقية ودينية ومذهبية وعشائرية، وتدور جميعها في فَلَكِ ''دولة إسرائيل اليهودية الكبرى''، وما يفضي إليه ذلك بالضرورة مِن وَضْعِ اليَدِ الأمريكية الصهيونية على ترسانة الباكستان النووية والحؤول دون امتلاك إيران سلاحاً نوويّاً، وتدمير الجيوش العربية الأربعة الأكبر (العراقي، المصري، السوري، والجزائري)، والتمهيد لتأمين المصالح الإقتصادية الأمريكية في القارة الأفريقية بالقوة العسكرية ممثلةً بالقوات
الأمريكية لأفريقيا ''أفريكوم'' لمواجهة زحفِ التنين الاقتصادي الصيني في القارة السمراء، ومحاصَرة تسويق الغاز الروسي والإيراني لصالح الغاز القطري وتطويق روسيا عسكرياً وجيوسياسياً وتحريك الأقليات الإسلامية في الصين وروسيا، ورفد ما يمكن اختلاقه من بؤر توتر انفصالية فيهما بما يتبقى مِن الإرهابيين الذين تمّ تسريبهم في مهمة شيطانية إلى الأراضي السورية. إن المشروع الأميركي الجديد ليس مرتبطاً فقط بالحقبة الراهنة من تاريخ الولايات المتحدة الأميركية ولا بالقيادة الحالية فحسب بل هو مشروع كان يطل برأسه بين الفينة والأخرى، ومع الإدارات التي تعاقبت على قيادة الولايات المتحدة الأميركية وإن كان هذا المشروع قد اتخذ مع الرئيس السابق ''بوش'' ومن ثم مع خلفه ''أوباما'' مظهراً أكثر عقائدية وأقل براغماتية وأشد عناداً وهجومية ولا يجب في حال من الأحوال حصر تبعية (حزب الحرب) بالجمهوريين فهذا خطأ يبعد عن الحقيقة سنوات ضوئية ومن المفيد الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى محورية دور سيناتور ديمقراطي من ولاية واشنطن هو (هنري جاكسون) الذي من مكتبه تم استيراد نماذج عرفت بالمحافظين الجدد ومن أهمهم (ريتشارد بيرل، وماليتدون جونسون، وكلارك كليفورد، وروبرت ماكنمار، ووالت روستو، ووسام نن، ووليان بيري، وليس اسبن، وانتوني ليك، وجيمس وولسي) وهم حفنة من رجالات «حزب الحرب» الذي يحملون بطاقة عضوية الحزب الديمقراطي والذين يفوقون في تشددهم وصقوريتهم عقلانيي الحزب الجمهوري أمثال (نيلسون روكفلر، وتشاك هاغل ووليام روجرز، ووليام سكرانتون). يكتب الباحث في ''مركز دراسات واشنطن'''' لورانس كروب'' مقالاً نشره في موقع ''ذي ناشيونال إنترست'' دعا فيه ''لصقور'' إلى تعلم دروس الماضي، يقول فيه: ''بينما تدرس الإدارة الأمريكية كيفية الرد على المزاعم بأن الرئيس السوري ''بشار الأسد'' تجاوز الخط الأحمر الذي حدده الرئيس ''أوباما''، باستخدامه مقداراً صغيراً من غاز السارين الكيماوي، يتعين عليها أن تضع في ذهنها ثلاثة أحداث تاريخية على الأقل. الحدث الأول وقع في آب 1964، عندما كنت أؤدي الخدمة العسكرية كضابط طيران في البحرية الأمريكية، وعندما ترددت مزاعم بأن الفييتناميين الشماليين هاجموا سفناً أمريكية في خليج تونكين، وخلال مناقشة الحادثة مع قائد سربي الجوي، الذي كان قد قام بمهمات قتالية في الحرب العالمية الثانية ثم الحرب الكورية وشارك في الجسر الجوي إلى برلين أثناء حصارها عام 1949، جادل بأن ما كانت إدارة ''جونسون'' تقوله بشأن ما حدث في تونكين محض هراء، فإضافة إلى الشكوك حول ما حدث فعلاً، رأى أنه لا يعقل أن تستفز فييتنام الشمالية الولايات المتحدة وتعطيها مبرراً لشن هجوم انتقامي. وكما تبين في ما بعد، كان ضابط وحدتي محقاً تماماً، ولكن للأسف، استغلت إدارة ''جونسون'' حادثة خليج تونكين ذريعة لاستصدار قرار من الكونغرس وفر لها غطاء لشن حرب استمرت عقداً، وأدت إلى مقتل نحو ستين ألف أمريكي وملايين من الفييتناميين، إضافة إلى تدمير فييتنام . الحادثة الثانية جاءت عام 1998، عندما شنت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق ''بيل كلينتون'' هجوماً مزدوجاً بصواريخ كروز استهدف مصنعاً للأدوية في السودان، وبررت الإدارة الهجوم على المصنع السوداني بأن تحليلات مختبرية لعينات جمعتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ''سي آي إيه'' أعطت مؤشرات إلى أن المصنع كان ينتج غاز الأعصاب ''في إكس'' وتبين في ما بعد أن تحليل عينات التربة تلك لم يكن قاطعاً إطلاقاً، وأن الأدلة التي أقامت صلة بين المصنع وحصول تنظيم القاعدة على أسلحة كيماوية لم تكن جديرة بالثقة إطلاقاً. وادعى منتقدون أن من الممكن أن يكون القصف الأمريكي قد تسبب بطريقة غير مباشرة بمقتل
مئات السودانيين الذين حرموا من أدوية مهمة كان المصنع ينتجها. وفي وقت سابق من العام الحالي، وبمناسبة الذكرى العاشرة لغزو العراق المشؤوم عام 2003، تجدد النقاش حول واقعة تاريخية ثالثة عندما نشر ''ستيفان هادلي''، نائب المستشار الرئاسي لشؤون الأمن القومي وقت الغزو، مذكرات قال فيها إن أحداً في إدارة ''بوش'' لم يتساءل يوماً عمّا إذا كان'' صدام حسين'' قد خادع بشأن امتلاكه أسلحة نووية، وكانت تلك إمكانية، بسبب تخوف ''صدام'' من سعي الإيرانيين إلى الثأر منه. علاوة على ذلك، لم يتساءل أحد لماذا سمح ''صدام''، لو كان يمتلك فعلاً أسلحة دمار شامل، لمفتشي الأمم المتحدة بالعودة إلى العراق في أواخر، 2002، مع أنه كان يعلم أن إدارة ''جورج بوش'' تسعى إلى تبرير خططها للحرب بسعيه المزعوم لامتلاك أسلحة نووية. كما أن ''ريتشارد هاس''، الذي كان في حينه مديراً لدائرة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية، نشر حديثاً كتاباً استعار فيه كلمات من ''ريتشارد نيكسون'' بقوله: ''إن التسويغ الحقيقي لحرب العراق كان إظهار أن الولايات المتحدة ليست عملاقاً عاجزاً وتعيساً. وإذا تأملنا في هذه الواقعة التاريخية، سنجد أصداء لها اليوم في خطاب صقور واشنطن الذين يدعون إلى القيام بعمل عسكري في سورية''. ويرى ''كروب'' أنه استناداً إلى هذه السوابق التاريخية، يتعين على أولئك الذين يدعون إلى عمل عسكري في سورية أن يعطوا إدارة ''أوباما'' وقتاً لكي تجري تقييماً كاملاً للأدلة المزعومة بشأن استخدام أسلحة كيماوية. وكجزء من عملية التقييم هذه، يجب على الولايات المتحدة أن تسأل سؤالين مركزيين: السؤال الأول أي سبب قد يجعل القيادة العسكرية السورية تأمر باستخدام مقادير صغيرة من غاز السارين ضد المعارضين والمدنيين، بينما لدى الجيش السوري قوة عسكرية ضاربة وتحت تصرفه العديد من الأسلحة التقليدية الأخرى القادرة على لجم الجماعات المسلحة، خصوصاً أن القيادة السورية تعرف تماماً أن استخدام الأسلحة الكيماوية سيوفر للولايات المتحدة تبريراً واضحاً لكي تتدخل؟ إنه لم يتغير شيء في المخطط الصهيوني من حيث الأطماع في سورية، والسبب في ذلك واضح تماماً، فسورية، دولة وشعباً، هي الدولة العربية، التي استمرت في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني منذ بداية استيطانه في فلسطين ومحاولاته المستمرة للتوسع على حساب الأراضي العربية، وهي التي تصدت لاعتداءات إسرائيل الحدودية منذ عام 1948، وهي التي خاضت مع مصر حرب تشرين المجيدة ضدها وحطمت أسطورة تفوق الجيش الإسرائيلي، وهي التي تصدت للعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982 ومنعته من تحقيق أهدافه، وهي التي ساعدت المقاومة الوطنية في لبنان على تحرير الجنوب اللبناني عام 2000، ثم هزمت إسرائيل في حربها على لبنان صيف عام 2006، وهي التي وقفت إلى جانب المقاومة في غزة أثناء العدوان عليها أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009. هذه هي أسباب الحقد الإسرائيلي على سورية والأطماع الإسرائيلية القديمة والجديدة فيها، والتي عبر عنها أكثر من مسؤول بأن سورية هي الوحيدة التي أبقت قضية فلسطين حية في النفوس، وهي التي أوجدت وساعدت المقاومة الفلسطينية، علاوة على ذلك فسورية تتصدى لمخططات الإدارة الأمريكية الرامية إلى الهيمنة على المنطقة العربية وتسييد إسرائيل عليها. إن الولايات المتحدة وإسرائيل تنظران إلى سورية على أنها العقبة الوحيدة أمام مشاريعهما في المنطقة، وأنها تشكل تهديداً وجودياً وحقيقياً للأطماع الصهيونية في المنطقة، وهذا ما جعل الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاءهما من الدول الغربية التحرك وبكامل الثقل الإعلامي ضدها، أولاً لتجريم الجيش السوري، ووضع سورية في دائرة الاستهداف العربي والدولي الدائمين ثم
التحرك بكامل الثقل الاستخباري العسكري. وثانياً وهذا هو الهدف المركزي لأمريكا وإسرائيل والقوى الغربية، هو تفكيك سورية وتقسيمها إلى دويلات طائفية وإثنية متنازعة ومتحاربة فيما بينها لأن تحقيق هذا الهدف المذكور هو الذي يريح إسرائيل ويساعدها على تحقيق هيمنتها على المنطقة كاملة. إنّ هذا السلوك الاستعماري الأمريكيّ يؤشرُ إلى أنّ إدارة ''باراك أوباما'' وحلفاءها الغربيين تتصدّرهم بريطانيا الشمطاء والإقليميين ويتقدمهم سلاجقة أنقرة وتلموديّو تل أبيب، وبعض الخليجيين وبخاصة المُرتَعِدَةُ فرائصُهُم مِن قوافي الشعراء النبطيين، فكيف يكون حالهم إزاء زئير أسود الشام، فكل هؤلاء وَمَن يتعيَشُ مِن بلاطاتِهم أو يُوهِمُهم خاسئاً أنّ بمقدورِهِ أن يبيعهم الدّمَ السوريّ، قد عقدوا العزم ''سيكون عزمَ الفَرَزْدَقِ على مَرْبَعٍ'' على شنِّ حَربٍ عسكرية لإسقاط النظام الوطني في سورية، وتدمير مؤسسات الدولة فيها وبخاصة المؤسسة العسكرية، حيث فَشَلِت مجموعاتهم المسلحة في تنفيذ هذه المهمة الإستعمارية الكأداء والسؤال الذي يجب أن يطرح هُنا: إذا كنا حاسمين في أنه لو كانت إدارة ''بوش الابن'' واثقة مِن امتِلاك بغداد أسلحة دمار شامل لما أقدَمَت على غزوها، فكيف بالمُقابل تُقدِمُ على حرب ضدّ دمشق إذا كانت متيقنة من امتلاك الجيش العربي السوري أسلحة كيميائية؟ والجواب أن واشنطن وتل أبيب تعلمان جيداً أن الأسلحة الكيميائية السورية ليست سوى ذريعة تستخدمها الولايات المتحدة لحرب تدفع إليها الدوائر الصهيونية واشنطنَ دَفعاً لتأمينِ حماية ''إسرائيل'' التي باتت متيقنة مِن أنّ وجودها باتَ مُهدداً أمام قوة المقاوَمة في لبنان أو فلسطين المحتلة، فما بالك إن وَجَدَتْ نفسَها في حرب أمام سورية أو إيران أو كليهما، ولذلك فإن استكمال الحرب الدائرة في سورية وتصعيدها بمشاركة القواعد الأمريكية والأطلسية في المنطقة وبمشاركة جيوش دول عربية وإقليمية باتت في حالة عداء مُعلَن مع سورية، إضافة إلى عشرات آلاف الإرهابيين الإسلاميين الذين يتصدى لهم الجيش السوري الآن، كلّ هذا تنظر إليه الدوائر الصهيونية كفرصة تاريخية ربما يستحيل أن تتكرر، ومن ''الطبيعي'' أن تنتهزها ''إسرائيل'' التي نشأت وترعرعت وقويت شوكتها بانتهاز الفرص. وللأسف فإن بهلوان البيت الأبيض ''أوباما'' لم يتعلم مِن درس الهزائم التي لحقت بالقوة الأمريكية الغازية في أفغانستان والعراق، ويبدو أنه لا يريد أن يقتنع بحقيقة أنّ أيّ عدوان قد تشنه واشنطن ولندن و''إسرائيل'' وحلف الناتو وأتباعهم على سورية مِن أجل السيطرة على المنطقة بأسرها، يتصدّى لها بعزيمة واقتِدار ملايين الصواريخ السورية والإيرانية وربما الروسية والصينية، التي ستجعل مساحات شاسعة في الكثير مِن دول العالم بما فيها الكيانات الخليجية وبلدان أوربية قاعاً صَفصَفاً، بحيث ترزحُ البشرية ولمدّة طويلة تحت كابوس أقلّ نتائجه المؤكدة دمار الاقتصاد العالميّ بالكامل. فهَل بقيَ في دوائر القرار الأمريكي بَعضُ عَقل يكبَحُ جُنونَ الشركاتِ الاحتكارية الإمبريالية الشرّير الشرِس، الذي يَسعى ''فيروس'' الصهيونية العالمية إلى أن يُفلِتَهُ مِن عقالِه؟
إن الولايات المتحدة التي تقود الآن حربها الكونية، ليس على سورية فقط، بل على كل سورية الطبيعية، تبدو واهمة أنها قادرة على قهر إرادة الشعوب وأنها قادرة على الاستمرار في قيادة حلفائها وأدواتها، لأن العالم الذي بدأ يعاني هيمنتها وأسلوبها تغذيه تمرد الشعوب على حكوماتها عبر شعار (إسقاط النظام)، لا بد أن يدرك أن هذه التمردات ستنتقل إلى دول أخرى، ولا يستبعد انتقالها إلى داخل الولايات المتحدة نفسها عندما تنشأ صعوبة في القدرة على ضبطها، فأحداث التاريخ تعلمنا أن الشعوب لا يمكن أن تبقى خاضعة للابتزاز أو لدفع ثمن غال من أجل المشاريع التي لن تعود عليها إلا بالإرهاق
وعدم الاستقرار، وسيتضح للشعوب أن المشروع الأمريكي الهادف للسيطرة على العالم وتوجيهه وفق النظام الأمريكي وقيمه، هو مشروع سينعكس سلباً عليها، لأن لكل شعب ثقافته وقيمه، ونظامه المناسب لثقافته وبنيته، إضافة لذلك إلى وجود قوى كبرى لا يمكن أن تخضع وتستسلم لما ترسمه السياسة الأميركانية للعالم، ولهذه القوى ثقافتها وقيمها ونظامها وتطلعاتها ومصالحها التي لا يمكن أن تتخلى عنها.
قد يكون قدرُ سورية وشعبها أن يحملا عبء الدفاع عن مقدرات الأمة في هذه المرحلة الصعبة، لكن وقوف الجماهير العربية في الأقطار التي خانها حكامها متفرجة على ما يحدث، هو في حدّ ذاته مشكلة كبرى. فإذا لم تغضب الجماهير العربية الآن، وإذا لم تتحرك الآن، وإذا لم تسارع إلى المشاركة في مواجهة الحلف الدولي المتآمر الآن، فإنها قد تبقى رهينة العبودية ربما لقرون عديدة قادمة. فالتحالف أو الائتلاف العربي الذي يستكثر على العرب أن يكون عندهم قطر واحد مقاوم، أو حزب مقاوم، أو فصيل مقاوم أو أكثر، فيعملُ على تقويض محور المقاومة، بل ويجند المرتزقة، ويضخ السلاح، وينفق الأموال دون حساب، من أجل تقويض هذا المحور، لا شك أنه معني بقهر الإنسان العربي حيثما وجد هذا الإنسان من خلال تحطيم إرادة المقاومة عند هذا الإنسان عبر تقويض الحدّ الأدنى المتوفر من مقوّماتها.
وإننا لنقولها الآن مدويّة للجماهير العربية: كفى انسياقاً وراء الإعلام المضلل وخلف شيوخ الفتنة العملاء، فقد آن أن يدرك الجميع أن هذا الإعلام يديره صهاينة، وأن شيوخ الفتنة عملاء للأعداء ومارقون من الدين، ولا صلة لهم بالإسلام أو المسلمين، باستثناء أنهم يتاجرون بفتاوى التضليل لحساب حكام مجرمين. وإذا كان الشعب القطري مثلاً لا يستطيع بحكم حجمه وواقعه أن ينفض عن نفسه عبء حكامه الذين انساقوا في سلوكهم الخياني إلى أبعد الحدود، فإن أبسط ما يمكنهم أن يفعلوه أن يرفضوا الصلاة وراء شيخ الفتنة ''يوسف القرضاوي'' وأن يؤدوا صلاتهم في مساجد أخرى غير المسجد الذي يؤم المصلين فيه، فالمنطق العقلي يقول بأن اتخاذ الفاسق والمارق إماماً هو أمر لا يجوز والاستماع إلى خطبته أمر لا يصح، فإذا ما انفضوا من خلفه كان ذلك وحده كافياً للدلالة على أنهم يرفضون سياسة حكامهم وفتاوى شيخهم الفتان.
إن الحكام من نعاج الأعراب باتوا خلال الفترة الأخيرة يتحدثون صراحة عن إصرارهم على أخذ سورية من أجل إسرائيل، وبالتحالف مع إسرائيل، وبتقديم الخدمات اللوجستية لإسرائيل، وأن كل ما يهمهم أن يتدبروا سبل تحقيق هذه الغاية، وما يمكن أن يقدموه من ناحيتهم من قدرات أو أموال ـ حسب الحالة ـ في هذا السبيل، وكأنهم يقدمون على نزهة وليس على جريمة كبرى تقترف ليس فقط في حق سورية، بل أيضاً في حق فلسطين، وفي حق العرب أجمعين.
فقد بدأت الأمور تتكشف شيئاً فشيئا وبدأت المعلومات تتدفق وبات السوريون أكثر مناعة تجاه ما يبث من أكاذيب وسموم سعودية وإسرائيلية المصدر وبكل تأكيد ستكشف الأيام القليلة المقبلة المزيد من خفايا ما حصل... فالغاية باتت واضحة لكن الوسيلة قذرة ويسدد ثمنها السوريون كل يوم وكل ساعة ومع ذلك يبقى الصمود سيد الموقف وتبقى الكلمة الأخيرة للجيش العربي السوري وللشعب السوري الذي يكتشف تباعاً قباحة حكام السعودية ومخططاتهم الفاشلة التي للأسف لن تتوقف الآن ولا لاحقاً فآل سعود قرروا حرق المنطقة بمن فيها لحماية أنفسهم وعرشهم ولحماية إسرائيل لكن كما فشلوا في كل مرة سيفشلون بالمستقبل وسورية ستبقى حرة سيدة مستقلة على الرغم من كل الدماء والفظائع التي ترتكبها هؤلاء الوحوش بحماية دولية تم شراؤها بنفط العرب.
وأعتقد أن هذه الحرب الكونية على سورية بقيادة الولايات المتحدة، تعلم العالم كله دروساً بأن إرادة الشعوب إذا ما فعلت تستطيع تغيير مسار التاريخ، ويبدو أن سورية بإرادتها ستكون المركز الذي
سيستقطب محيطه في سورية الطبيعية كلها، وربما ستكون أحد أسس النظام العالمي الجديد المتحرر من القيادة الأميركانية، الذي أخذت ملامحه تظهر.
مقالات اخرى للكاتب