"بعشيقة" و"بحزاني"، حارتان يفصلهما شارع. يسميهما البعض قرية، وآخرون يعدونهما مدينة، والرسميون يدونونهما ناحية، لكنهما قدحان من ماء الروح، وصدق ابنها المحبّ المغترب حين قال:
ذرني وكأسي وأشجاني وأحزاني
مرّت بيّ اليوم أطيافي لـ (بحزاني)
وأدمعي كلّ يوم كم أكفكفـــــــــها
ومن ذا يكفكف دمعي غير (بحزاني)
وقصبة (بعشيقة وبحزاني) أتى على ذكرها ياقوت الحموي، وهي تابعة لقضاء الحمدانية في سهل نينوى, وتقع على بعد 12 كم من الموصل، وتشتهر بالزيتون والراشي والعرق، وسواد ناسها من الايزيديين فضلا عن نسبة من ذوي الديانات الأخرى من مسلمين ومسيحيين وشبك، يتكلمون اللغة العربية مع السريانية والكردية والتركمانية، وفيها تزدهر ست ثقافات.
وبخيط سري، ترتبط معها مدائن الشيخان، شنكال (سنجار)، زمار، القوش، شاريا (سميل)، مجمع خانك، عين سفني، والمقدسة لالش في البقعة ذاتها. ونفتخر حين نسمع أن الغرب والمنظمات الدولية والمشاهير يقيمون الدنيا ولا يقعدونها اذا ما مسّ الضرّ مستعمرة من الطيور النادرة أو المتميزة، ثم نسأل: كيف اذا كانت هذه العيون الايزيدية الساهمة الوجلة القتيلة ليست لطيور، بل لبشر هم خلاصة أعرق التمائم وأقدمها. فعيدهم (سرى سال) أي رأس السنة يتطابق مع عيد رأس السنة البابلية، ولهم عيد آخر باسم (خدر الياس) يقع في أول خميس من كل شباط، وهو نفسه خضر الياس.
وسيأتي أيلول، حيث موسم الزيارة في الثالث والعشرين منه، ولكن ستكون سفوح (عين سفني) صامتة حزينة، وسيكون نور معبد (لالش) خافتا خجولا، فبعد الزحام الجميل العظيم في كلّ سنة سيبكي الجبل المسكين على ناسه العاشقين، وسيستغرب (الشيخ آدي) أن قبره هذه السنة لن تلمسه أنامل الصبايا الناذرات، ومن ذا يخبره أنهن سبايا، والمحظوظات منهن نازحات نائيات، وكما قال مظفر: "هل أرضٌ هذه الكرة الأرضية أم وكر ذئاب؟ ماذا يدعى هذا؟ ماذا يدعي أخذ الجزية في القرن العشرين؟".
والآن، اذا تركنا الايزيديين في المحنة لوحدهم، فغدا سنندم، جميعا سنندم، لان لحية جارنا اذا حُلقت فعلينا أن نعاقب تلك اليد الحالقة الاثمة، أما لو سكبنا الماء على لحايانا فالحال سيكون كما قال ـ أيضا ـ مظفر: "سنصبح نحن يهود التاريخ.. ونعوي في الصحراء بلا مأوى.. سيكون خرابا.. سيكون خرابا.. سيكون خرابا..".
فيا أهلنا في القصبة الأثيرة (بعشيقة وبحزاني)، ولـّوا وجوهكم شطرها، لوحوا لها، وغنوا مع فيروز: "سنرجع يوماً إلى حينا .. ونغرق في دافئات المنى / فما زال بين تلال الحنين .. وناس الحنين, مكان لنا"، ثم احضنوها وأنا معكم، لان (بعشيقة وبحزاني) مدينة حميمة عريقة أصيلة، وليست مدينة (دمج).
"بعشيقة" و"بحزاني"، حارتان يفصلهما شارع. يسميهما البعض قرية، وآخرون يعدونهما مدينة، والرسميون يدونونهما ناحية، لكنهما قدحان من ماء الروح، وصدق ابنها المحبّ المغترب حين قال:
ذرني وكأسي وأشجاني وأحزاني
مرّت بيّ اليوم أطيافي لـ (بحزاني)
وأدمعي كلّ يوم كم أكفكفـــــــــها
ومن ذا يكفكف دمعي غير (بحزاني)
وقصبة (بعشيقة وبحزاني) أتى على ذكرها ياقوت الحموي، وهي تابعة لقضاء الحمدانية في سهل نينوى, وتقع على بعد 12 كم من الموصل، وتشتهر بالزيتون والراشي والعرق، وسواد ناسها من الايزيديين فضلا عن نسبة من ذوي الديانات الأخرى من مسلمين ومسيحيين وشبك، يتكلمون اللغة العربية مع السريانية والكردية والتركمانية، وفيها تزدهر ست ثقافات.
وبخيط سري، ترتبط معها مدائن الشيخان، شنكال (سنجار)، زمار، القوش، شاريا (سميل)، مجمع خانك، عين سفني، والمقدسة لالش في البقعة ذاتها. ونفتخر حين نسمع أن الغرب والمنظمات الدولية والمشاهير يقيمون الدنيا ولا يقعدونها اذا ما مسّ الضرّ مستعمرة من الطيور النادرة أو المتميزة، ثم نسأل: كيف اذا كانت هذه العيون الايزيدية الساهمة الوجلة القتيلة ليست لطيور، بل لبشر هم خلاصة أعرق التمائم وأقدمها. فعيدهم (سرى سال) أي رأس السنة يتطابق مع عيد رأس السنة البابلية، ولهم عيد آخر باسم (خدر الياس) يقع في أول خميس من كل شباط، وهو نفسه خضر الياس.
وسيأتي أيلول، حيث موسم الزيارة في الثالث والعشرين منه، ولكن ستكون سفوح (عين سفني) صامتة حزينة، وسيكون نور معبد (لالش) خافتا خجولا، فبعد الزحام الجميل العظيم في كلّ سنة سيبكي الجبل المسكين على ناسه العاشقين، وسيستغرب (الشيخ آدي) أن قبره هذه السنة لن تلمسه أنامل الصبايا الناذرات، ومن ذا يخبره أنهن سبايا، والمحظوظات منهن نازحات نائيات، وكما قال مظفر: "هل أرضٌ هذه الكرة الأرضية أم وكر ذئاب؟ ماذا يدعى هذا؟ ماذا يدعي أخذ الجزية في القرن العشرين؟".
والآن، اذا تركنا الايزيديين في المحنة لوحدهم، فغدا سنندم، جميعا سنندم، لان لحية جارنا اذا حُلقت فعلينا أن نعاقب تلك اليد الحالقة الاثمة، أما لو سكبنا الماء على لحايانا فالحال سيكون كما قال ـ أيضا ـ مظفر: "سنصبح نحن يهود التاريخ.. ونعوي في الصحراء بلا مأوى.. سيكون خرابا.. سيكون خرابا.. سيكون خرابا..".
فيا أهلنا في القصبة الأثيرة (بعشيقة وبحزاني)، ولـّوا وجوهكم شطرها، لوحوا لها، وغنوا مع فيروز: "سنرجع يوماً إلى حينا .. ونغرق في دافئات المنى / فما زال بين تلال الحنين .. وناس الحنين, مكان لنا"، ثم احضنوها وأنا معكم، لان (بعشيقة وبحزاني) مدينة حميمة عريقة أصيلة، وليست مدينة (دمج).
مقالات اخرى للكاتب