كلنا على علم من عفوية الاحتجاجات المدنية في بغداد و ما خرجت نتيجة النقص الفضيح في الخدمات، و بالخصوص الكهرباء في هذا الحر القارض، و كانت الفرصة للمطالب الاخرى التي يمكن ان تتوفر، بينما استغلت هذه التحركات من جهات عدة و تعاملت معها من وجهة نظر و اهداف ضيقة، واريدت بساحة التحرير ان تصبح ساحة لتصفية الحسابات بدلا من ضمان متطلبات سير خطوات الاصلاح التي يجب ان تتوفر في تهياة و توفير الارضية لها قبل البدء في الخطوات التفصيلية و المفصلية في مسيرة الشعب، و التي كانت و سارت تحت ضغوط الخطوات و التوجهات السريعة الانية ، و في المقابل خطوات و توجهات لنوايا مختلفة في غير محلها ربما كانت نابعة من المنتظر لاصحابها المتربصين للفرصة التي سنحت ليستهلوا في تطبيق اهدافهم المرسومة مسبقا .
مررت حزمة من الاصلاحات في وقت قياسي و في الوضع و الظرف الذي وفرت فيها ارضية كان بالامكان امرار اكثر من المطلوب نتيجة ضغوطات الساعة، و يمكن ان نسميها في غفلة من الزمن الحقيقي لما يسير عليه العراق منذ عقد و نيف . فتبينت الفوارق في توجهات الجهات السياسية و بالاخص الاسلام السياسي الذي يريد ان ينقض على اي مانع لتقدمها او معرقل لمسيرتها، باي موقف او خطوة كانت، و ما شهدناه هو وضوح مدى التفاوت في التحرك و التعامل مع ما يجري من قبل الجهات جميعا و لحد الساعة، فلولا ضغوط الشارع و لحد اليوم لما كان بالامكان امرار هذه القوانين و الحزم من التغييرات، و هذا ما يمكن ان لا يحسب لا للبرلمان ول ا للحكومة و انما فرضها الشارع المنتفض في عرس الصيف القارض. فان كان التيار الصدري يريد نجاح هذه العملية الاحتجاجية السياسية المدنية القحة فكان المفروض عليه عدم التدخل فيها و الركوب علي موجة الاحتجاجات باسم دعمها و هو ما يجهضها و يمنع عنها العفوية و الطبيعية في العمل، و على عكس ما كان المفروض، لو كان مساندا لها، كان عليها ان يدعمها من بعيد لعدم استثارة الاخرين و الحساب لما يبرز من مشاركتها او احتكاكها المباشر و ان يثير القوى الاخرة المنافسة في التدخل المباشر ايضا في العلمية التي لازالت تحت قيادة الشارع و المدنيين ذاتهم .
كان من المنتظر ان تقيٌم الاطراف الداخلية ما يجري لتحديد كيفية تعاملهم مع ما يحدث بما يفيدهم و توجهاتهم بشكل خاص، اما الاطراف الخارجية تسارعت قبل الداخليين في فض ما يمكن ان يتحول لقطع الطريق بشكل ما امام نفوذهم بعد احتمال نجاح المدنيين و القوى المدنية غير الخاضعة لنفوذهم في السيطرة على زمام الامور و الدفع بالعملية الى اصلاحات سياسية اقتصادية حقيقية من اجل مستقبل الشعب و على حساب الاحزاب المصلحيين المتورطين و المرتبطين و التابعين للقوى الخارجية المستفيدة من العراق مابعد السقوط .
انها ايران الطرف الول و الخير و المتدخل بشكل واسع و مباشر و هي التي اصبحت صاحبة العراق و تنفذ ما ترثايه بسهولة مستغلة الصراع الداخلي المحتدم بين القوى، و بطرق الترهيب و الترغيب و ما لديها من الامكانيات المخلتفة .
لقد تغيرت الاحوال و ابرزت الاحتجاجات مجموعة من الخطى التي تقع لصالح الشعب،تيقن الجميع و خاصة الجيل الجديد من امور كانت لديه خيالا، و اهمها قدرة الشعب على الوقوف على رجليه في عملية تصحيح المسار متى ما توفرت لديه الظروف التي تسمح له، و لقد برزت و كشفت هذه الاحتجاجات العديد من القوى من حيث حقيقة نواياها و اهدافها و اخلاصها لقضايا الشعب العراقي و درجة خضوعهم الى القوى الخارجية و تنفيذ اجندات ليس لها صلة بمصالح الشعب العراقي او على العكس .
المميز في الاحتجاجت انها لم تكن مفتعلة او نابعة من الصراع الديني المذهبي، لقد اشترك فيها الجميع و بكل مشاربهم و لم تسنح فرصة لاتهامهم بما يحصل انه من ايدي الخارجيين و من قبيل المؤامرة الخارجية . لا لقد انبثقت من النقص الحاد في توفر الخدمات و في فرصة و لحظة من الزمن لم يدع اي احد ان يفكر بانه عملية خارجية مخططة و مستوردة لاسباب سياسية . الا ان تعامل الجهات الخارجية و الموالين لهم لهذه العلمية التصحيحية قد يؤثر على ما يجري، بعد تمهل الشعب عن التحرك قليلا و انخفاض مستوى الحماس و التدخل الفاضح من القوى العسكرية التابعة للاحزاب و القوى الخارجية اصحاب اجندات خاصة لا صلة لها بالخدمات و مستقبل العراق من اي جانب كان .
كل الذين يتضررون مما يجري يحاولون اجهاض العملية بكل ما يملكون ليؤخرون التصحيح على الاقل، الا ان الايجابية التي وفرتها هذه الاحتجاجات ان الشعب وجد ما يمكن ان يرفع صوته من خلاله و يغير ما يريد . فلا يمكن ان تبقى سطوة الاحزاب الفئوية و المسيطرين عليهم داخليا و خارجيا ان تبقى مسلطة على الشعب . و قوة الشعب اكبر و اقوى من اية قوة خارجية داخيلة منافية لما يريده المواطن البسيط .
فهناك توجهين خطرين داخلي و خارجي معا او على الانفراد لاجهاض ما يجري و بطرق ملتوية اولها الركوب على خط سير الاحتجاجات لمصلحة و شعارات حزبية دينية مجردة من اي مصلحة شعبية، و اخرى لمصالح دولية خارجية اقليمية لا صلة لها بالشعب العراقي من قريب اوبعيد . و القوة التي يمكن ان تتحدى المتدخلين هي الشعب و سواعده و عزيمته التي لا يمكن ان يقف امامها هذه القوى المختلقة من حاملي المصالح السياسية الداخلية و الدولية . المفروض هو التفكير و التخطيط الجيد و الاستناد على عقلية المصالح الشعبية الخاصة و امكانية منع المزايدة و التدخل الباطل في صفوف المحتجين باسم و عنوان مختلف . عندئذ يمكن ان نطمئن على تحقيق الاهداف بسلاسة، و الا الاجهاض ممكن في حالة عدم اليقظة الضرورية المطلوبة لحماية عفوية الاحتجاجات و منع احتمالية التدخلات من اية قوة كانت .
مقالات اخرى للكاتب