في إطار سعيه للترويج «للاتفاق» الذي يزعم إبرامه مع إيران، يقدم أوباما نفسه كوريث شرعي لنمط «السلام من خلال المفاوضات» الذي تبناه الكثير من الرؤساء السابقين للولايات المتحدة.
في هذا السياق، وصف أوباما كلا من الرئيس كيندي، ونيكسون، وريغان تحديدا كأمثلة براقة، والمعنى الضمني أنه يتمنى السير على نهجهم.
هل أوباما جون كيندي الجديد؟ بالكاد.
فقد تفاوض جون كيندي مع الاتحاد السوفياتي لكن بعدما حجر على كوبا، مما أجبر خروشوف أن يغض الطرف قبل أن يقوم بحظر المواقع النووية في جزيرة الكاريبي.
على النقيض، لم يحصل أوباما على أي ضمانات حقيقية ملموسة يمكن إثباتها، بينما امتلك جون كيندي الجرأة كي يذهب إلى برلين الغربية لمواجهة الدبابات السوفياتية، وليحذر موسكو من محاولة إعادة بسط نفوذها على العاصمة الألمانية القديمة بعدما أضحت قلعة للحرية. ومع شعار «أنا مواطن برليني» الذي تبناه، أظهر كيندي انحيازا للبرلينيين المحاصرين في أطول صراع مع الحكم السوفياتي والذي انتهى بانتصار أصحاب الأرض. وعلى النقيض، لا يجرؤ أوباما حتى على دعوة ملالي إيران للإفراج عن الأميركيين الذين تحتجزهم كرهائن.
أوباما ليس جون كيندي، لكن هل هو وريث ريتشارد نيكسون؟
على الرغم من بغضه لفكر نيكسون، فإن أوباما حاول تشبيه «الاتفاق» الذي أبرمه مع إيران بتقارب نيكسون مع الصين. مرة أخرى، المقارنة هنا ليست في محلها، إذ إن تطبيع العلاقات مع بكين حدث بعدما سوى القادة الصينيون خلافاتهم الداخلية على السلطة وقرروا الخروج من المأزق الآيديولوجي الذي أوجدته الثورة الثقافية. وعلى الرغم من ذلك، عقد الأميركيون صفقة مقايضة صعبة بأن أعدوا قائمة طويلة بما يجب على بكين فعله كي تثبت حسن نياتها، من أهم بنودها عدم السعي «لتصدير الثورة».
في غضون عامين فقط، توقفت الصين عن الظهور كـ«قضية» وبدأت في التعامل كدولة قومية، وهنا فقط توجه نيكسون لزيارة بكين. في حالة إيران، لم يتحصل أوباما على أي من تلك الأشياء، وفي الحقيقة شجعت تلك الصفقة النظام الخميني على إظهار أسوأ أهدافه كما يتضح من الرقم المتزايد من الإعدامات، وسجناء الرأي، والدعم للجماعات الإرهابية، ناهيك بدعم بشار الأسد في سوريا.
أوباما ليس ريتشارد نيكسون، لكن هل هو رونالد ريغان الجديد؟ بالكاد.
أقدم ريغان على التقارب مع السوفيات لكن بعد أن نجح في إقناعهم بأنهم ليس في مقدورهم ابتزاز أوروبا بصواريخ «إس إس 20» من خلال سعيهم لتوسيع إمبراطوريتهم عن طريق ما يسمى الحركات الثورية التي تبنوها حول العالم. تم التصدي لصواريخ «إس إس 20» بصواريخ مضادة، و«جيوش» ثورية، و«مقاتلي الحرية» برعاية الولايات المتحدة.
على عكس أوباما الذي يخشى مضايقة الملالي، لم يشعر ريغان بأي حرج في أن يطلق على الاتحاد السوفياتي «إمبراطورية الشر» وفي تأنيب قادتها بشأن أمور تتعلق بالحرية وحقوق الإنسان. وتشير عبارة «السيد غورباتشوف، اهدم هذا الجدار» إلى أنه على الرغم من استعداد ريغان للتفاوض، فإنه لم يكن مستعدا لأن يضع العلم في جيبه.
من المهم أن تتذكر أن التعامل مع نظام الخميني يختلف إلى حد كبير عن التعامل مع الاتحاد السوفياتي والصين فيما يخص إحلال السلام والتطبيع.
لم ينظر الاتحاد السوفياتي ولا جمهورية الصين الشعبية للولايات المتحدة كـ«عدو»، على عكس النظام الخميني. أطلقت موسكو على الولايات المتحدة اسم «الخصم» الذي يجب أن يحارب، بل وهزيمته إن أمكن، ولكن ليس كـ«عدو» يجب تحطيمه. كذلك في الصين، هوجمت الولايات المتحدة كقوة استعمارية وكدولة مثيرة للمتاعب، وليس كعدو لدود، وكان الشعار الذي رددوه «عد لبيتك أيها اليانكي».
بيد أنه في حالة النظام الخميني، تسمى إيران الولايات المتحدة «العدو»، والشعار هو «الموت لأميركا».
طهران هي المكان الوحيد الذي يعقد فيه مؤتمرات دولية تحت عنوان «نهاية أميركا» سنويا بتمويل من الحكومة.
قام كل من الاتحاد السوفياتي والصين أولا بعلاج نفسيهما من داء العداء لأميركا قبل الشروع في إحلال السلام وفى تطبيع العلاقات، بيد أن ذلك لا يعني أنهما قد وقعا في غرام الولايات المتحدة. ما عناه ذلك هو أنهما تعلما أن ينظرا للولايات المتحدة كخصم، أو كمنافس، وليس كعدو لدود في مبارزة حتى الموت. لم تشف الجمهورية الإسلامية بعد من ذلك الداء، وقد يصعّب ضعف أوباما من إتمام الشفاء. تحقق السلام مع الاتحاد السوفياتي وتم تطبيع العلاقات مع الصين بعدما حسنت الدولتان بعض الأوجه المهمة في سلوكهما. استجاب كيندي، ونيكسون، وريغان بشكل إيجابي للتغيرات بشأن النظر للولايات المتحدة كخصم.
بدأت التغيرات في الاتحاد السوفياتي مع انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الذي شجب فيه خروشوف جرائم ستالين، وطهر الحزب من أكثر عناصره بذاءة، مثل لافرينتي بريتيا، وأصلح ملايين الجرائم التي ارتكبها ستالين. في السياسة الخارجية، فعلى الرغم من طبيعة خروشوف المتهورة، فإنه قبل إطار الاستقرار الجديد في الحرب البارد مع أوروبا استنادا إلى الموقع بين حلف شمال الأطلسي ووارسو.
ومع نهاية الثمانينات من القرن الماضي، أظهر الاتحاد السوفياتي تحولات إيجابية أخرى مثل سياسة غلاسنوست الانفتاحية والبيروسترويكا، والانسحاب من أفغانستان في ظل حكم غورباتشوف.
وفي حالة الصين، أشرنا إلى نهاية الثورة الثقافية، إلا أن الصين وافقت أيضا على مساعدة الولايات المتحدة على إنهاء الحرب في أفغانستان، وتوقفت الصين عن استفزازاتها اليومية لتايوان، وقبلت نسيان أمر الدولة الجزيرة.
وفي ظل حكم دينغ شياو بينغ، خطت الصين للأمام بعد أن تبنت الاقتصاد الرأسمالي. هناك فرق آخر بين حالة الاتحاد السوفياتي والصين في فترة الستينات حتى التسعينات من القرن الماضي، يكمن هذا الفارق في نظام الخميني في طهران. فقد كان الاتحاد السوفياتي حليفا للولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، وكان شريكا في إنشاء الأمم المتحدة عام 1945. وعلى الرغم من كونهما متنافسين وخصمين، فقد عرف كل منهما متى يتصرفان كشريكين.
نفس الشيء انطبق على الحزب الشيوعي الصيني الذي كان حليفا للولايات المتحدة وحليفها الصيني الكومينتانغ خلال الحرب ضد الاحتلال الياباني.
في حالة الجمهورية الإسلامية، لم يكن هناك تغيير إيجابي، وبالتأكيد لم يحدث أن رأينا تحالفا مع الولايات المتحدة. في الحقيقة، إذا لم يكن أوباما يعرف ما لا نعرفه، فإن أوباما حبيس أوهامه.
مقالات اخرى للكاتب