كتب الاعلامي والصحفي ماجد البريكان..
عندما كان محمد مصبح الوائلي محافظاً للبصرة كنت أعامله كمحافظ (بصفته الرسمية) لكنه يعاملني كأخ أو صديق، أنتقده وأتهمه بالفشل الذريع في توفير الخدمات عبر راديو سوا فيتصل بعد بث التقرير ليبدي إعجابه به، بل ويشجعني على انتاج المزيد من التقارير الإذاعية المشابهة بدل أن يهدد ويتوعد شراً، أتعرض الى تهديدات وضغوط بسبب العمل فيرسل حراسه ويرابطون لأيام متتالية قرب البيت دون أن أطلب منه الحماية، أرفض قبول هدية منه وإذا به يطرق الباب مستفسراً بلطف عن سبب رفضها، وقد إكتشفت فيما بعد انه كان يتعامل بنفس الاسلوب مع كثير من الصحفيين.
بالرغم من كثرة مواقفه النبيلة كنت حريصاً لأسباب مهنية على عدم كسر القواعد التي ينبغي أن تحكم العلاقة بين المسؤول والصحفي، ولهذا السبب توطدت علاقتي بالوائلي بعد أن غادر منصبه وابتعد عن الحياة السياسية، فأخذت أواظب على زيارته في داره خلال المناسبات، وهو كان يتصل هاتفياً بمعدل مرة أو مرتين شهرياً، وآخر لقاء بيننا كان في حديقة فندق مناوي باشا، حيث زرته برفقة خالي الحاج أبو علي العيداني (عقيد في طيران الجيش)، وتجاذبنا أطراف الحديث عن أوضاع البصرة وهموم أهلها، وبعد اللقاء بأيام قليلة صعقت بنبأ استشهاده، وكنت أول الحاضرين مراسم تشييعه، وربما أشد المشيعين حزناً على فقده بعد أهله وذويه.
النقاط التالية تغنى عن الإيغال في تفاصيل كثيرة وتختزل الكثير من الحديث عن محمد مصبح الوائلي المحافظ، وقد ارتأيت نشرها مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية لاغتياله في السابع والعشرين من الشهر الجاري، وذلك من منطلق الوفاء للرجل وتثميناً لمواقفه، والله يشهد انها خالية من التهويل أو المبالغة، فأنا لم أمتدح الرجل علناً عندما كان محافظاً فكيف لي أن أمتدحه بغير صدق وهو يرقد الآن بسلام:
- هو المحافظ الوحيد الذي لم يكن يسمح لعناصر حمايته بتشغيل صافرات لافساح المجال لموكبه، وكان يأمرهم دائماً باحترام قواعد المرور، وعدم مضايقة أو إزعاج المارة.
- هو المحافظ الوحيد الذي كان يسمح للصحفيين بدخول مكتبه في أي وقت وبلا مواعيد مسبقة ودون الحاجة لأخذ موافقة أي أحد.
- هو المحافظ الوحيد الذي كان مقرباً من الأدباء والشعراء والفنانين والصحفيين رغم ضعف أو إنعدام إهتماماته الأدبية والفنية، وكان مدير مكتبه أحد الشعراء المعروفين (فرات صالح).
- هو المحافظ غير المستقل الوحيد الذي لم يفوض صلاحياته سراً الى قيادته السياسية.
- هو المحافظ الوحيد في البصرة الذي حمل السلاح ضد الخارجين عن القانون والعابثين بأمن المحافظة، وشارك فعلياً في مواجهات مسلحة عنيفة.
- واجه الوائلي حملات تسقيط وتشويه قاسية ومنظمة لم يواجه مثلها أي مسؤول محلي آخر منذ عام 2003، وبلغت حد اتهامه بقتل مواطنين أبرياء على الهوية باستخدام سيارات من نوع معين (البطة)، ونهب مليارات الدنانير من خزينة المحافظة، وهي إتهامات ظالمة.
- له الفضل في بناء المدينة الرياضية وإنشاء مجسر ساحة سعد متعدد المسارات واستخدام شجرة (Conocarpus) الاسترالية في مشاريع تشجير الطرق .. إلخ من الانجازات.
- هو المحافظ الوحيد الذي ركب سيارته الشخصية بعد إنتهاء حفل تسليم مهامه الى محافظ جديد وغادر بها بمفرده مقر الحكومة المحلية (ديوان المحافظة) وهو مبتسم.
أرجو أن لا تفسر النقاط أعلاه بشكل خاطئ على انها محاولة للإنتقاص من محافظين آخرين، فلكل واحد منهم إنجازاته وإخفاقاته، وللوائلي نصيب من الاخفاقات والأخطاء التي تبدو ضئيلة قياساً بالانجازات التي حققها ومهد لها، كما يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار الظروف القاهرة المتخمة بالأزمات التي عمل في ظلها.