لم يدر بخلد شاعر العراق بدر شاكر السياب ان يتحول رمز الخير بقصيدته يوما من الايام الى رمزا للبلاء او الويلات للعراقيين حينما كتب انشودته الخالدة "انشودة المطر" التي قال في احد ابياتها (مطر ..مطر.. مطر وفي العراق جوع) ولو كان يعلم بهذا التغيير الجذري على رمزية المطر للخير في العراق لقال كلمة اخرى واتوقعه يقول " نفط ..نفط .. نفط وفي العراق هور". كون رمزيه الخير بالمطر استوحاها الشاعر من طبيعة العراق الزراعية واشتغال اغلب اهله بالزراعة او بالرعي سابقا لكنهم في الوقت الحالي هجروا الزراعة و توجهوا نحو الوظائف ، سواء كانت عسكرية او مدنية وذلك لعدم توفير الدعم الكافي للفلاح امام مغريات الوظيفة خصوصا العسكرية منها ، فبيعت اغلب الاراضي الزراعية وتحول جنسها الى اراضي سكنية لعدم وجود من يقوم بزراعة الارضي فضلا عن ثمن بيعها المغري ناهيك عن عدم تطبيق القوانين بهذا الجانب والجوانب الاخرى في العراق، مما قلل من فائدة واهمية المطر لطبقة كانت تتقرب الى الله من اجله (صلاة الاستسقاء) ، مقابل هذا تقف طبقة اخرى من طبقات المجتمع العراقي وهي طبقة المدينة او "الحضر" بضد من رمزية المطر للخير ، لان المطر صار يجلب عليها الويلات والمأساة بسبب عدم تنفيذ المشاريع الخدمية ، وان نفذت فهي فاشلة من عدة جهات الاولى من ناحية التنفيذ (الشركات) والثانية من ناحية اعداد خطط المشاريع (الدوائر الفنية والتخطيط)، فاغلب المشاريع لم تراع الكثافة السكانية والنمو السكاني وطبيعة المنطقة والعمر الزمني للمشروع فضلا عن مراعاة الاحوال الجوية وتغيراتها مما جعل اغلب المشاريع المنفذة فاشلة بمهدها ولا حاجة لذكر البراهين والادلة على ذلك فهناك مئات المشاريع الخدمية في العراق توزعت على كل المحافظات سواء كانت جنوبية او شمالية طفحت فيها المجاري مع اول قطرات مطر هطلت ليتحول البلد الى اهوار وبرك و مستنقعات حتى تلك المشاريع التي يطلق عليها مشاريع استراتيجية طفحت فزادت من مساحة الاهوار في البلد، وضن العراقيين ان هذا من نتائج وبركات زيارة وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو للعراق.
وما تم تنفيذه من مشاريع خصوصا الستراتيجية خلال عشرة اعوام يدل على مدى الاستهزاء بالمواطن العراقي والا ما تفسير طفح مشروع لم يمض على تسليمه الى الجهات الحكومية الا ايام او اشهر معدودة ، كما يبرهن ذلك على فشل الاداء الحكومي في تنفيذ المشاريع وخصوصا الدوائر الفنية والتخطيط فضلا عن فشل الجهات الرقابية "مجالس المحافظات ومجلس النواب" في متابعة ومراقبة المشاريع وانشغالهم بالعراك السياسي وترك قضايا المواطن جانبا عدى كلمة "خدمةً للمواطن" التي سأمت من اللسن السياسين وحفظها حتى اطفال العراق الرضع .
وتمول الدولة تلك مشاريعها من وارداد النفط كون الاقتصاد العراقي احادي يعتمد على النفط بنسبة 97% اذ تقوم الدولة بتقسيم وارداته الى ميزانية تشغيلية (رواتب واعانات ) وميزانية استثمارية (مشاريع وغيرها ) وبذلك يتحول النفط رمزا للخير في العراق فيما تصبح الاهوار والمستنقعات رمزا للمعاناة والاهمال لفشل تلك المشاريع، من ذلك بإمكاننا ان نعيد صياغة انشودة المطرة بحلة جديدة بعد كل التغيرات الزمانية الى "نفط ..نفط..نفط.. وفي العراق هور".
مقالات اخرى للكاتب