في سلسلة بغداديات كانت لنا محاضرة عن اول سيارة وصلت الى بغداد واول مالك لها وهو السيد حمدي بابان الذي كان من اثرياء بغداد وعضو المجلس البلدي في المدينة وقد كان وصول اول سيارة لبغداد يوم الاثنين 1908/11/23 بعد سفرة طويلة قطعتها السيارة مرورا بسوريا الى بغداد ومما يذكر عن هذه السنة انها سنة اعادة دستور 1876 للتطبيق وسنة تاسيس مدرسة الحقوق في بغداد (كلية القانون) وهي اول كلية في بغداد وتم اجراء اول انتخابات في بغداد تنفيذا للدستور وقد جلب السيارة الانكليزي (ديفيد فوربس)الذي ينتسب الى عائلة اسكتلندية مشهورة في بريطانيا اذ تولى شحن هذه السيارة الى ميناء الاسكندرونة على البحر المتوسط ومن هناك اخذ السيارة قيادة قاطعا سوريا من غربها الى شرقها وكان الذي يقود السيارة ومساعدا للسيد ديفيد شخص انكليزي اخر يسمى (المستر وات) وقد رافق السيارة ميكانيكي لاجراء بعض التصليحات والترميمات على هذه السيارة في اول رحلتها من انكلترا الى بغداد وتم وضع خزانات وقود اضافية في السيارة ووضع بعض مستلزمات السفر المتعلقة بالسيارة كالفؤوس والجرافات والحبال لانه لم يكن هنالك طريق معبد في تلك الايام ولم تكن هنالك محطات وقود او محطات تصليح للسيارات وبعد اكمال ما تقدم انطلقت السيارة من الاسكندرونة الى مدينة حلب وبعد الوصول الى حلب كان هنالك وقت للاستراحة وفي يوم 1908/11/19 تحركت السيارة الاولى بعد اصطحاب طباخ وأحد البدو للدلالة على الطريق الى بغداد فتركت السيارة حلب وتوجهت الى بغداد وقد لاقت في هذه الرحلة كثير من الصعوبات منها الامطار التي سقطت في ذلك الشهر والاراضي الوعرة والوديان المتعددة والبرد القارص في الصباح الذي يؤدي الى تأخير تشغيل السيارة ووصول رمال الصحراء الى خزان الوقود الخاص بالسيارة ومن ثم الى مرشح الوقود (الفلتر) والذي ترتب عليه توقف دفع الوقود احيانا وعدم حركة السيارة لذلك تم تنظيف الفلتر مرات عديدة وفي يوم 1908/11/18 وصلت السيارة الى مدينة دير الزور السورية الكائنة على الحدود السورية العراقية حيث تم التزود بالوقود من خزانات تم ارسالها سابقا الى هذه المدينة في انتظار وصول السيارة لكي يتم تعبئة الخزان وفي اليوم التالي وصلت السيارة الى مدينة القائم العراقية الحدودية ثم الى مدينة عانة داخل الاراضي العراقية وتم التمكن بعد جهد جهيد وصعوبة بالغة من عبور السيارة على نهر الفرات من الضفة الاولى الى الضفة الثانية حيث تم تحميل السيارة على العبارة (الكلك) وكادت السيارة ان تنزلق في النهر وبعد ذلك توجهت السيارة الى بغداد وكان الطريق سهلا عدى بعض الاماكن حيث يكون الطريق خطرا للغاية على سير السيارة وقد يؤدي احيانا الى انقلابها الامر الذي ادى الى عطب احد الاطارات في الطريق قبل الوصول الى بغداد وعند قدوم السيارة من محافظة الانبار واقترابها من بغداد لاحت لراكبي السيارة كما يقول من تولى الكتابة عن هذه الرحلة لاحت مآذن الامام الكاظم عليه السلام يوم 1908/11/23 ولكن حصل عطل جديد في احد الاطارات وبسبب نفاد الاطارات الاحتياطية بحيث لا يوجد اطار احتياطي لوضعه بدلا عن الاطار المعطوب تم ملء الاطار بالحشائش والمزروعات والسير ببطء حتى الوصول الى بغداد وعند وصولها الى بغداد نفد وقود السيارة فلم تتمكن السيارة من العبور الى الرصافة وتركها في كرخ بغداد وتملك هذه السيارة بعد ذلك السيد حمدي بابان عضو مجلس ادارة محافظة بغداد واحد الوجوه المعروفة في بغداد الذي ينتسب الى الاسرة البابانية الكردية العريقة حيث كان رجالها حكاما لكردستان وامراء لها وكانت لهم امارة كبيرة شملت اجزاء واسعة من شمال العراق واستمرت حتى اواسط القرن التاسع عشر وقد ورد ذكر رجال وحكام ال بابان في وثيقة عثمانية (شرف نامة) اصدرتها الحكومة العثمانية سنة 1596 وعرفوا بكثرة الاتباع والانصار ووفرة العشائر ولقد اسس رجال الاسرة البابانية مدينة السليمانية بعد انشائهم امارة كبيرة حيث بنيت السليمانية في عهدهم وباسم زعيمهم وقد شغلوا مناصب عليا في الدولة العراقية من الوزراء والنواب ورجال السلطة العليا علما ان اخر رئيس وزراء في بغداد قبل حصول انقلاب 14 تموز 1958 هو السيد احمد مختار بابان اخر رئيس وزراء في العهد الملكي .
مقالات اخرى للكاتب