إكتفيت شهر ربيع الأول 1438هجري لهذا العام، بقراءة كتب الأولين والمعاصرين الخاصة بفضائل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وقدمت على إثرها 5 مقالات ، بالإضافة إلى ماهو الآن طي المسودة، وأضف لها بعض الكتب التي قرأتها وتعمدت عدم عرضها لما احتوته من مبالغات تتعلق بجانب المعجزات التي وردت حول ولادة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان على أهل العلم والسير أن يكتفوا بما يرفع الأمة من أخلاق، وآداب، وقيم سامية عرفها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفتها العرب وأقرتها من قبل أن يبعث. فكانت هذه الوقفات التي نذكرها في خاتمة هذا الشهر لعلّها تكون ختام مسك، راجين أن يستمر الجهد والعطاء في الشهور والسنوات القادمة..
تعمدنا أن لاندخل في نقاش حول الاحتفال بالمولد الشريف. فنحن نقرأ ، ونلخص، وننقل، ونستفيد، ونقارن، وننتقد القدامى والمعاصرين إن أخطؤوا في حق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحترم الذي لا يحتفل بالمولد النبوي الشريف.
العلماء والفقهاء الذين تطرقوا لفضائل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كثر، وقد شملوا كل أقطار الأمة الاسلامية دون استثناء ، وعبر العصور، وجميع المذاهب الإسلامية، بل إنهم ألّفوا كتبا نفيسة في ذات الشأن وهي منشورة منثورة لمن أراد أن يقف عليها وينتقد أصحابها الأعلام. وقد عثرت بالصدفة على ورقة كتبتها بتاريخ الاثنين: 18 ربيع الأول 1431 هـ، الموافق لـ: 04 مارس 2010، فوجدت أن صاحب الكتاب وضمن كتاب واحد فقط، ذكر 88 كتابا حول فضائل الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشمل المذاهب الأربعة، وعلماء الدنيا ، وفقهائها ، ومجتهديها .
الذين أنكروا الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هم قلّة قليلة، ولهم منا كل التقدير والاحترام، ونظل نقرأ لهم ونأخذ عنهم فيما يستوجب الأخذ. والقلة من العلماء الذين إستنكروا الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أغلبهم لم يستنكروه لذاته، إنما إستنكروه لما حدث ويحدث من عادات سيئة وسلوكات لا تليق بمقام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نفسه ما يقره جميع العلماء والفقهاء الذين أشادوا بفضائل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. إذن الاختلاف ليس في المولد بحد ذاته إنما في الوسيلة والطريقة.
إن الذين يحتفلون بالمولد النبوي الشريف لا ينكرون أبدا على الذين لا يحتفلون بالمولد النبوي الشريف، ويحترمون موقفهم والآراء التي إعتمدوا عليها في الرفض، ويكنون لهم بالغ التقدير والاحترام، ولشيوخهم، ولا يدعون أحدا منهم ليشاركهم الاحتفال، فإن محبة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من أن تفرض على أحد.
نسمع ونقرأ باستمرار أن الطرقات تشهد يوميا 12 قتيل و 10 جرحى، لكن لم نسمع ولم نقرأ أحدا طالب بوقف وسائل المواصلات أو غلق الطرقات. وقد عشنا العام الماضي موتى بالآلاف في موسم الحج رحمة الله عليهم جميعا، ولم نقرأ لأحد أنه طالب بوقف الحج، والأمثلة على ذلك كثيرة عديدة. والسبب في ذلك أن العيب ليس في وسائل المواصلات، ولا الطرقات، ولا شعيرة الحج، إنما الخلل في سلوكات سيّئة أساءت لما هو أحسن وأفضل وأطهر، وكذلك فضيلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، فإن بعض السلوكات السيّئة التي يمارسها البعض عن جهل، أو حسن نية، أو سوء فهم، لا تدعو أبدا إلى إلغاء الاحتفال، أو التنكر لفضله، بل تدعو إلى إعادة النظر في السلوكات السيّئة، فيتم مواجهتها، والحد منها، واستبدالها بما ينفع أكثر وأحسن للوطن والإنسان.
إن الذين يحتفلون بالمولد النبوي الشريف، يقرون أن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من أن تخصّص له ليلة أو أيام للاحتفال بمولده الشريف، إنما تلك محطة لإحياء الذكرى، ويستمر حبّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتحدث عن فضائله، والتمسك بخصاله مابقيت السموات والأرض.
إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وسيلة من الوسائل الكثيرة المتعددة لحب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. فحب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتكر، والوسيلة المقربة إليه متعددة لمن أراد أن يختار.
لم يعرف عن سادتنا السلف رضوان الله عليهم أنهم أنكروا الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، لكن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوّل من احتفل بمولده الشريف ، وهذا مدعاة للافتخار بالاحتفال بمولده الشريف.
من دوام النعم أن تحتفل بالنعمة، ومولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم نعمة إلى يوم الدين، فكان الاحتفال بمولده الشريف هو عين الاحتفال بالنعمة لمن يرى أن مولده الكريم نعمة لا تضاهيها نعمة.
من النعم التي يظل يفتخر بها صاحب الأسطر، أنه أفرد العام الماضي مقال حول احتفال ابن باديس بالمولد النبوي الشريف، وهذا العام أفرد مقال حول احتفال إمام البيان محمد البشير الإبراهيمي بالمولد النبوي الشريف.
مقالات اخرى للكاتب