سبق لي وأن عملت مع ثلاث وزراء للتعليم العالي بعد العام 2003 وهم الأستاذ الدكتور طاهر البكاء والأستاذ الدكتور سامي المظفر والأستاذ الدكتور عبد ذياب العجيلي . كان عمل التعليم العالي في ظل الوزارات الثلاث واضح المعالم وهو مرحلة بناء حقيقية لمؤسسات التعليم العالي بعد ان اصابتها حالة من عدم الأستقرار نتيجة للأحتلال وما تبعه من نتائج فوضوية على الشارع العراقي .
للتأريخ اقول ان الوزراء الثلاث بذلوا جهوداً جبارة تمكنوا خلالها من اعادة الهيبة للتعليم العالي من خلال تعليمات وتوجيهات كانت جميعها تصب في خدمة التعليم العالي ةزيادة رصانته العلمية فكانت التوجيهات واضحة في منح الأحزاب من الدخول الى الجامعات والتدخل بسياساتها ومنع أية منظمة او اتحاد طلابي من العمل داخل الحرم الجامي الى حين اصدار قانون ينظم عمل الاتحادات الطلابية فضلاً عن عدم السماح بدخول الأجهزة الأمنية أو الأسلحة داخل الحوم الجامعي او المؤسسات الأخرى التابعة للوزارة وتشهد العديد من المؤسسات الأعلامية لعملنا ونحن نمنع القوات الأمريكية من الدخول الى الحرم الجامعي ولمرات عديدة رغم ان الأمريكان كمحتلين كانوا هم من يديرون البلد . ولا نبالغ اذا قلنا ان التعليم العالي خلال استيزار السادة المذكورين قد وصل الى مراحل متقدمة جداً في التفوق والبحث العلمي والرصانة العلمية رغم الوضع الأمني المضطرب في البلد .ولكن الولاية الثانية للمالكي كانت أشارة لتخريب البلاد وخاصة التعليم العالي فيه !
العلمية حسب فهمي البسيط تعني تسخير العلم لخدمة الناس وماعدا ذلك لايمكن وصفه بالعلمية أِذ لايمكن أن نطلق على شخصيات درست العلوم بمراحله المتقدمة على انها شخصيات علمية طالما أَن نتاجها فيه ضرر للناس أكثر من فائدة لهم . وعلى هذا الفهم البسيط والواضح أعطى الشارع العراقي دروساً في السخط والأحتجاج على شخصيات ينطبق عليها مانقول . فالدكتور حسين الشهرستاني الذي جاء على أنه منقذ للواقع العراقي الذي تعرض لظلم خلال حكم حزب البعث . لم يقدم دليلاً ولو بسيطاً على انه جاء لخدمة العراق بل على العكس تماماً فالأوضاع أزدادت ظلماً وجوراً وقتلاً وتشريداً عام بعد آخر . فلا وعود الشهرستاني وجماعته والأحزاب التي جائت على ظهر الدبابة الأمريكية أو في ظل أحتلالها للعراق قد تحقق شيء منها . ولا الواقع العراقي قد شهد تحسن في قطاع من قطاعات الحياة . فقد ثبت بالملموس أن تصدير الكهرباء كذبة كبيرة وجهل مابعده جهل كان الهدف من أطلاقها تهدئة الشارع لكي يتواصل النهب والسلب والقمع المنظم وعلى ذات الأسلوب في الطروحات المخادعة لم يتمكن المالكي من تحقيق وعداً قطعه على نفسة وتواصلت الأزمات في مجال الأسكان والعمل وانتشار الفقر والعوز وتدهور الواقع الصحي والتربيوي فضلاً عن اختفاء كامل لأبسط الخدمات التي يحتاجها المواطن كحق من حقوقه التي تسعى الحكومات في كل دول العالم على أعتبارها من المسلمات التي يجب توفيرها دون نقاش .
وعلى ذات التوجه بدأ التعليم العالي بالأنهيار ومنذ ان تسلم الأديب الوزارة في زمن رديء حتى بدأ العد التنازلي لأنهيار التعليم العالي مايعكس تخلف حكومة المالكي وتخلف النظام السياسي في العراق . أذ كيف يمكن لشخص حاصل على البكلوريوس أن يُعَيَن كوزير في وزارة جميع مناصبها تحتاج الى ألقاب عليا ً ؟ وكيق يمكن أن يكون صاحب البكلوريوس مسؤلاً عن رؤساء جامعات كل واحد منهم يحمل لقب أستاذ دكتور وبعضهم بعلميةِأعلى ؟ لكن صاحب البكلوريوس حول مؤسسات التعليم العالي جامعات ومعاهد الى أوكار لنشر الأحقاد والضغائن وشرع ابوابها لتدخل الأحزاب لتنتهي موضوعة استقلالية الجامعات وحياديتها فضلاً عن نشر الأجهزة الأمنية فيها من خلال مايسمى بالتصاريح الأمنية وغيرها من المسميات . !
من هنا بدأت مرحلة الأنهيار في التعليم العالي حتى وصلنا اليوم الى حالة تبتعد كثيراً عن الرصانة والعلمية ! الطالب اليوم يتصرف دون ضوابط فهو لايعرف للزي الموحد معنى كما لايعرف للألتزام واللياقة التي فرضتها العلاقات الجامعية والقوانين عبر الزمان حتى وصلنا الى ان التدريسي يتحاشى تأنيب الطالب على مايرتدي أو عندما يتجاوز اثناء المحاضرة واصبحنا نلاحظ كل موديلات الجينز والكاوبوي ,jوموديلات الحلاقة الاجنبية والمكياج الصارخ وهي تنتشر كعروض ازياء في اروقة الجامعة ومن يعترض سيكون ضحية لجان تحقيقية وشكاوى قد وثقت في مكاتب المفتش العام وتلك كارثة كبرى .
الأمر الآخر الذي جعل التعليم العالي ينهار هو الأختيار الغير سليم لمن يشغل أدارة بعض الكليات والأقسام في الجامعات , ومعروف ان من يلهث وراء المنصب لايمكن له ان يقدم خدمة خاصة في مجال التعليم العالي والمعروف ان المبدعون فيه يفضلون البحوث والاشراف على طلبة الدراسات العليا على المناصب التي اصبحت اليوم هاجس فاقدي العلمية من الذين يتم اختيارهم على اساس من المحسوبية بدليل ان المحافظات التي فيها جامعات يوجد فيها خبرات ادارية والقاب علمية تصلح ان تدير عمادات واقسام لكن الحزبية والمصالح تأتي بأشخاص من خارج المحافظات ليحملوا الجامعة اعباء نفقات كثيرة كحماية ووقود وغيرها سيما ونحن نمر في مرحلة تقشف حاد ناتجة عن تبديد ثروات البلاد . نتمنى على السيد وزير التعليم العالي ان يوجه اتباعه بالكف عن التصرف باسمه على انهم مقربون منه ومرشحون من قبلة ليكونوا رؤساء جامعات او عمداء كليات وليكن اهتمامهم في البحث العلمي وترصينه بما يجعل من الجامعات مستقلة تماماً وابعاد النفس البوليسي والمخابراتي من اروقة الجامعات فأن هذا النفس لم يحقق الأمن للعراق على مدى ال 13 سنة الماضية ..
أتذكر ان احدهم سألني عندما تسلم حسين الشهرستاني وزارة العليم العالي وقال ما رأيك فيه ؟ اجبته على الأقل دكتور . قال نعم . كنت اتوقع ان يعمل الشهرستاني على تصحيح مسارات التعليم العالي ولكن يبدو ان الذين اتفقوا على تخريب العراق سوف يبقون متحدين ولو كان الوزير الذي سبق الشهرستاني من ابناء العامة ( السنة ) لكان الوضع مختلف وان كل اعماله غير صحيحة مثلما فعل الأديب بالذي سبقه . هي الطائفية القذرة التي زرعت من قبل احزاب السلطة ومتى ما انتهت تلك الأحزاب سوف نجد العراق يتعافى من جديد … !
مقالات اخرى للكاتب