بعد مرور عشر سنوات على الغزو الغربي للعراق، ثمة أدلة جديدة تكشفها شبكة “بي بي سي”، أن الاستخبارات المركزية الأمريكية والبريطانية كانت على علم قبل الغزو بعدم امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل، الذريعة التي ساقتها أمريكا وبريطانيا لبدء التعبئة الإعلامية والنفسية، ومن ثم التحضيرات العسكرية لعملية الغزو التي تحوّل عنوانها إلى “حرية العراق” . لا بل تؤكّد معلومات الشبكة أن توني بلير كذب عندما أعلن للبرلمان قبل الحرب أن الأسلحة العراقية النووية والكيميائية والبيولوجية وبرنامج الأسلحة كانت فعالة . هذا يضاف إلى كل الأدلة التي كشفت سابقاً وأشدها مأساوية أن بلير سرق بحثاً من طالب جامعي وحوّله إلى دليل صوّر العراق على أنه كان خطراً وشيكاً على العالم .
في مايو/ أيار ،2004 اعترف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول بأن وكالة المخابرات المركزية (CIA) كانت مخطئة بشأن مختبرات الأسلحة البيولوجية المتنقلة التي زعمت الولايات المتحدة أن العراق كان يمتلكها، وذلك في معرض تبريره للخطاب الذي ألقاه في فبراير/ شباط ،2003 قبيل احتلال العراق، والذي قال خلاله إنه يمتلك معلومات “أكيدة” عن وجود مختبرات عراقية على شاحنات متنقلة، تقوم بتطوير الأسلحة المحظورة دولياً . لكن باول بعد مرور سنة على احتلال العراق عاد واعترف بأنه عندما قدم ذلك العرض كان معتمداً على “أفضل المعلومات” التي قدّمتها له وكالة المخابرات المركزية .
بعد ذلك أدلى باول بما هو أوضح بل بما يرقى إلى حد الاعتراف بالكذب وتعمّد التضليل، واستخلص أنه يشعر بخيبة الأمل والأسف، ولسان حاله يقول إن الاستخبارات والإدارة الأمريكية جعلت منه كبش فداء لتبرير غزو العراق واحتلاله في جريمة تاريخية نتج عنها مقتل وجرح وتشريد ملايين العراقيين، وإعادة العراق مئة سنة إلى الوراء وتحويلها إلى دولة فاشلة، وزرع بذور فتنة دائمة تجعل من القتل الجماعي مشهداً يومياً في حياة العراقيين .
لكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أصدر بياناً في ذكرى الغزو تحدث عن “تضحية” الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في الحرب وأعداد القتلى والجرحى منهم في تلك الحرب التي عارضها عندما كان نائباً محلياً في شيكاغو، لكنه الآن يتجاهل ملايين العراقيين الذين ذهبوا ضحايا الغزو والاحتلال والسياسة اللاحقة التي زرعت عمداً في العراق لإبقائه خارج الخدمة لشعبه وأمته، وهذا هو الهدف الذي من أجله شنت الحرب، وليس لأي سبب آخر من تلك التي مازالت بعض أبواق التضليل والكذب والتبرير تسوقها وتروّجها دفاعاً عن حرب يقرّ أصحابها بكذبهم وتضليلهم .
ها هو العراق بعد عشر سنوات على حرب الحرية المزعومة لا يأمن مواطنوه الخروج إلى الشارع أو السوق . أصبح المواطن العراقي هدفاً للقتل على خلفية انتمائه الطائفي الذي لم يكن له دور فيه . العراق أصبح مفرّغاً من الكفاءات العلمية بعدما اغتيل العشرات وهاجر مئات الآلاف منه . أما ديكتاتورية الفرد التي حوّلوها إلى أسطوانة تحريض لتبرير تدمير العراق وإخراجه من معادلة الصراع مع العدو التاريخي للأمة، فقد استبدلوا بها ديكتاتورية الطائفية والمذهبية الأشد خطورة من الأولى بمئات المرات .
ها هو العراق بعد عشر سنوات عجاف يتحوّل إلى ساحة للعنف الدامي على مدار الساعة، بحيث لا يشعر العراقي بوجود أفق مفتوح للمصالحة، في حين باتت الأزمات السياسية والفتن على أشكالها هي الثابت الدائم في البلاد التي تعاني نقصاً إن لم نقل انعداماً للخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه النظيفة . بعد كل ذلك، هل يتّعظ المغفّلون؟
مقالات اخرى للكاتب