يتحدث الكثير من الخبراء والمحللين عن الأزمة الإنسانية التي تسببت فيها منظمة داعش الإرهابية، ونزوح ملايين البشر من مدنهم وقراهم إلى شتى أنحاء المعمورة، وبالذات إلى الأماكن الأكثر أمنا في دول الإقليم مثل كوردستان والأردن وتركيا، إضافة إلى الآلاف الذين هاجروا إلى أوربا وأمريكا وإضعافهم الذين ينتظرون، ورغم مأساة حال النازحين على الأقل هنا في كوردستان والأردن وتركيا، إلا إن موضوعا أكثر أهمية وتعقيدا ينتظر الجميع خاصة إذا ما علمنا إن داعش كقوة عسكرية زائلة بالمطلق، ولا يمكن أن تكون وضعا مقبولا أو مستمرا في أي زاوية من العالم مهما امتلكت من قوة وأساليب في إرهاب وترعيب البشر، فهي مرفوضة في عقيدة أغلبية البشرية مهما ادعت أنها تمثل دينا أو مذهبا، فهي بالتالي خارج الزمن والحضارة والأخلاق والطبيعة البشرية.
المشكلة الأكثر تعقيدا وربما مأساة وكارثية التي ستواجهنا هي ماذا سيحصل بعد عودة السكان إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم، بعد أن خربت داعش بنيتها التحتية بالكامل على مستوى الخدمات العامة وعلى مستوى بيوت الأفراد، حيث تم تدمير أو تفخيخ أكثر من 90% من تلك البيوت والأسواق والدوائر الحكومية أو المباني المملوكة للكورد والشيعة أو المسيحيين والايزيديين، والصورة أكثر مأساوية في المناطق المختلطة قوميا وعرقيا أو المتاخمة لبعضها، فقد تم تمزيق النسيج الذي كان يربطها قبل دخول داعش، ومساهمة العديد من أبناء تلك القرى والبلدات والمدن بالجرائم التي اقترفتها داعش في عمليات القتل على الهوية الدينية كما حصل للكورد الايزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان الشيعة في كل من سنجار وتلعفر وسهل نينوى، حيث تم هدر دماء الايزيديين والشيعة واستباحة اموالهم ونسائهم واطفالهم، وسبيت الاف النساء الكورديات الايزيديات وتم تزويجهم قسرا لعناصر داعش وامرائها، بل انهم اقاموا اسواقا لبيع النساء كجواري في كل من تلعفر والبعاج والموصل والرقة.
وأكثر الاسئلة كارثية ومأساة هي كيف سيتعامل آباء البنات المسبيات وإخوانهن وأزواج النساء وأبنائهن ممن تم تطليقهن من قبل داعش واغصباهن على اعتناق الإسلام وتزويجهن قسرا أو بيعهن كجواري أو عبيد، كيف سيتعاملون أو يواجهون ذوي أولئك الذين سبوهم وقتلوا رجالهم وتسببوا في الكارثة، خاصة وان زواج أي ايزيدية من رجل مغاير لدينها يعتبر مخلا بالشرف الشخصي للعائلة وللعشيرة، والمشكلة المعقدة ان هذه البلدات والقرى اما انها مختلطة او متاخمة لبعضها، سواء هنا في مدن وبلدات وقرى حدود كردستان أو غيرها في بقية العراق وسوريا؟
حقا أنها كارثة اكبر من كارثة احتلال داعش لتلك المدن والقرى التي تتميز معظمها بالمحافظة والعشائرية وبعلاقات الصداقة والأخوة التي انهارت فجأة تحت تأثير الإيديولوجية الدينية المنحرفة، التي مارستها داعش ومن والاها في كل من سنجار مع الكورد الايزيديين والشيعة وفي سهل نينوى أيضا مع الكورد الشيعة والايزيديين ومع المسيحيين.
لقد تسببت تلك الجرائم في تنمية روح الانتقام لدى كل المكونات الدينية الايزيدية والمسيحية والشيعة بسبب التعرض للشرف الشخصي للأسرة في المنطقة من خلال خطف النساء واغتصابهن تحت ذرائع دينية منحرفة، مما سيؤدي لا سامح الله لو لم يلتفت العقلاء الى تدارك الأمور قبل وقوعها فان مذابح أخرى ستحصل ربما ستكون اكبر بكثير مما حصل.
لقد نبهتُ إلى ذلك في الملتقى الذي أقامه مركز الدراسات الإستراتيجية العراقي في بيروت مطلع هذا العام 2015م، وشرحت مخاطر المستقبل وكوارثة ما لم نضع في حسباننا ان ما فعلته داعش سيدفع ثمنه اخرين ربما لا علاقة لهم بالاحداث بسبب الشد القبلي والعادات والتقاليد المعروفة في هذه المناطق، وعليه اضع اليوم مجموعة مقترحات واليات ربما تنأى المنطقة عن كوارث لاحقة:
تشكيل هيئة دولية من الانتربول ومنظمات حقوق الانسان والمرأة والرموز العشائرية والدينية في معظم الدول التي تم اختطاف الاف النساء اليها وتزويجهم قسرا والعمل على اعادتهم.
تبني مشروع اممي يضع اقليم كوردستان برمته تحت الحماية الدولية كونه ملاذا امنا لكل المكونات العرقية والدينية والمذهبية، خاصة وقد نجحت حكومة الاقليم بادارة معسكرات النازحين الذين تجاوزت اعدادهم المليونين وكانت محط اعجاب الامم المتحدة والاتحاد الاوربي والولايات المتحدة والفاتيكان وكل من زار الاقليم خلال هذه الفترة.
إن إصدار قرار من مجلس الأمن يعتبر فيها ما جرى لهذه المكونات الدينية والمذهبية والعرقية ابادة جماعية سيعزز الثقة بالامم المتحدة ويمنح هذه المكونات املا بالعيش بامان وسلام.
اعتبار هذه المناطق منكوبة تماما والعمل من اجل مشروع دولي تساهم فيه كل الدول الغنية من اجل إعادة الحياة لهذه المناطق على غرار مشروع ماريشال الذي أعاد بناء المانيا وغيرها، وتعويض الأهالي عما خسروه نتيجة احتلال داعش لمدنهم وقراهم ربما سيساهم في تعويضهم وعلاج جروحهم ومأساتهم.
مقالات اخرى للكاتب