إليك مني قصيدتي بـ (طويلها ) المقبوض التي لا تطاول بأحاسيسها أصلها المطبوع لـ (الطالبي ) - راجع الهامش - :
حنانيك لي بين الفراتين ِ أضلعُ
تُلملمُ أنـــــوارَ الجهامِ وتسـطعُ
تَهيَّجَ قلبي لوعةً بعـــــــدَ فرقةٍ
تهيمُ بآفاقِ الغروبِ وتَبــــــــدعُ
ألا يا قوافي العينِ للشوقِ أدمعي
فيالكِ مـــــنْ عينٍ وعينِيَ تدمعُ
عـــــراقٌ توسّدنا (الثويّةَ) ليلهُ (1)
ونــغرفُ ، إذْ ضوءُ الثريّةِ يَلمعُ
ولمْ تكُ بينَ الصحوِ والنـومِ غلّةٌ
يضيقُ بها وسعُ النهارِ ومضجعُ
وكانتْ ربوعُ الأرضِ تزهو بأهلها
ظِلالاً ، وأغصــــانُ الشبيبة تُمتِــعُ
ولمّا وضعنا الشمسَ رهنَ صراعِنا
توخّى فؤادي كبدُهُ ، وهـــو موجعُ
فضاعَ شبابُ العمرِ يَلهمُ روحـهُ
وهيهـاتَ ما قدْ ضيّعَ الدهرُ يرجعُ
تماهى طغاةُ الدهرِ بالدهرِ سرمدا
ودهرٌ كدهرِ الأرضِ بالثقْبِ يُفجعُ!
فلا العلمُ علماً خطَّ بالسطرِ أحرفاً
إذا لمْ يرَ الأســــــــرارَ ممّا تُودِّعُ
يخوضونَ باللاشيءِ، والشيءُ موئلٌ
ليعربَ ، حتّى ذي الجهـــالةِ يُخدعُ
تبوّأ مَنْ يصغي لألفٍ وصفرها
وخلّى لألــــفِ الباءِ سحقاً وتتبعُ
فطالتْ علينا أعصــــــرٌ لا أباً لها
وكنّا لآباءٍ ، وما لنــــــــا مصنعُ!
زمانٌ تهاوى بين جذبٍ ونفــرةٍ
فما أنْ رأى الدنيا بدا يتضعضعُ
فمنْ لمْ يجدْ إلاّ القناعةَ مأرباً
يُعلَّلُ بالصــــــبرِ الجميلِ ويَقنعُ!
ومنْ يقتحمْ سودَ الشدائدِ طالعاً
تكنْ سهلهُ الجوزاءُ، والحرّ ُيَطلعُ
****************
أجــبْ أيّها القلبُ الذي لا أخـــالهُ
يشحّ ُوميضاً للخطى حينَ تهرعُ (2)
فكمْ مرّةٍ يشــدو الوفـــاءُ لأهلهِ
فكانَ جوابُ الشهمِ نوراً يشعشعُ
(عليّ ٌ) عوالي النفس منهُ سجيّةٌ
وكلّ ُرحابٍ سرَّ منْ فيه ينبــــعُ (3)
تسامى الذي يسمو السماءَ سموهُ
كرقراقِ مــاءٍ نجمـــهُ يتواضعُ
فهذا وميضٌ من ملاكٍ نفحتــــــهُ
ببـــــــــيدرِ خيرٍ منْ بهائكَ يُزرعُ
فتى العهدِ-لا تقذي صفاه كدارةٌ-
رحيقٌ من الأزهارِ والطيبِ يجمعُ
فيا ليتَ أخلاقَ الرجالِ تشـبّعتْ
من الصدقِ أفواهاً ، ولا تتصنعُ
أرى النقصَ حُكماً للبرايا تغصّهُ
فهــلْ بينَ هذا الناسِ للناسِ مُقنِعُ؟!
وحاشا الذي لا يألفُ العوزَ طبعهُ
كما خُلِقتْ يمناه بالرســـــمِ يطبعُ
لكَ (النورُ) أبواباً تضيءُ بها السنا
ولي اللهُ أنْ يرعــــــاكَ أنّى تُودَّعُ (4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) قصيدة وفاء ومعارضة وجواب لقصيدة الأستاذ الشاعر والإعلامي علي مولود الطالبي الوجدانية الرائعة ، التي أغمرني بلطفها وكرمها وتواضعها ، وأحاسيسها الشاعرية المطبوعة ، إثر القيام بواجبي الثقافي والأخلاقي والوطني بكتابة مقالة أدبية نقدية متواضعة - بحلقتين - عن شعره ، وديوانه (شمس على ثلج الحروف) ، فأبت شهامته ، ووفاؤه إلا أن يجيبني بستة عشر بيتا من (البحر الطويل ) على صفحة تعليقات موقع النور النير ، والشعر أسمى الفنون ، يلهم لينشر ، منها قوله :
حكايا أبي مِن سنبلِ النورِ تسطعُ
حصادًا كأنَّ الماءَ بالنـــورِ يُجمَعُ
وفيضٌ لروحي من وقارِكَ ماثلٌ
كسِفر ملاكٍ كلُ مـــــــا فيه يلمعُ
وميضٌ بقلبٍ وارف الخير بيدرٌ
وزورقُ أبناءٍ كما الموج مشْرَعُ
هوالألقُ الفواح يملي على الخطى
مسالكَها مِن حيث للعشقِ تهـــرعُ
(1) إشارة إلى صدربيت المتنبي ، وهو من الكوفة " وليلاً توسّدنا الثوية تحته" ، والثوية : منطقة بين النجف والكوفة ، تسمى اليوم منطقة كميل ، وكميل بن زياد النخعي ، هو من التابعين ، وبالمكان قبره.
(2) " أجب أيها القلب " عنوان لإحدى أروع قصائد الجواهري ، وصدر البيت يقول " أجب أيّها القلب الذي لستُ ناطقاً" . ، ولا يفوت القارئ الكريم مما في العجز من إشارة لأحد أبيات الطالبي .
(3) إشارة إلى مدينة (سرً مَن رأى ) ، كما لا يخفى .
(4) إشارة إلى موقع (النور) الكريم ، وقد ضمن اسم الموقع الطالبي نفسه .