بعد أن أنهيت جولتي في بغداد وحاراتها وأحيائها القديمة في كل من الأعظمية والكرخ والكاظمية والمنصور والعديد من الشواهد القديمة في أسواق كل من السراي والمتنبي والتجار والشورجة، وبينما أنا أشد العزم للسفر إلى المناطق الجنوبية والوسط من العراق، كي أقوم بواجب الزيارة إلى أضرحة الائمة الاطهار في تلك المدن، وإذا بهاتفي يرن حيث كان المتصل أبن عمنا الاستاذ المترجم المعروف (ياسين الجبوري) إذ قال لي (إنني اريد أن أدعوك الى وليمه ) فقلت سوف البي دعوتك مع ضيفي من السماوة (الشيخ حاكم عزاره المعجون) ايضاً الذي سيحل ضيفا ً علينا بمعية عدد من أبناء عمومته ، فقال لي الاستاذ ياسين حللتم أهلا ووطأتم سهلا بيننا ، ولكن تأخر الشيخ حاكم حال دون حضوره وذهبت بمعيت أولاد عمي لتلبية دعوة استاذنا ابو زهراء ، وفي اليوم الثاني جاء الشيخ حاكم الى بغداد
وفعلاً تجمعنا في مضيف العشيرة في بيت أبن عمي الشيخ طالب الذي يدير أمور العشيره الان على وجبة غداء عراقية لاتخلو من الناطوح والسابوح فكان يوماً جميلاً بعد أن قمنا بجولة نهرية بالقارب الخاص بابن عمنا حسين الجبوري، غادرنا الشيخ حاكم (أبو فهد) في مساء ذلك اليوم عائداً إلى السماوة وذلك لارتباطاته الكثيرة، وأتفقنا أنا والسيد ياسين الجبوري على السفر إلى كربلاء والنجف ومن ثم مدينة الحلة لتلبية دعوة (الشيخ عامر مخيف الجبوري)، توجهنا بسيارتين يسمونها في العراق (أوباما) حديثه الصنع، وانطلقنا الى وجهتنا كربلاء ، وفي وصف بسيط للطريق الذي يوصل الى كربلاء من بيتنا في الاعظميه ، أخذنا طريق محمد القاسم الذي يسمى الطريق السريع متجهين الى سيطرة الدورة، على هذا الخط الذي يسمى سريع توجد عدة نقاط للتفتيش وكل شيء في هذا الطريق قد تغير تماما ففي ثمانينيات القرن الماضي كان الطريق مسيجاً بسياج حديث وفي جزرته الوسطيه توجد الزهور والاشجار الخُضر الجميلة، فجميع هذه الأشياء التي ذكرتها قد تم تدميرها بالكامل من قبل المواطنين إذ تم قطع الأشجار واستخدموها للطبخ أو التدفئة أيام الحرب، أما السياج الحديدي والاسلاك المحيطة بالطريق، فقد تكفل بها عدد كبير من اللصوص وسرقوها وتم تهريبها الى الخارج حسب روايات الناس، وصلنا الى نقطة تفتيش الدوره وكان اليوم يوم خميس حيث تذهب الناس بأعداد كبيره الى كربلاء وإذا بنا نقف أكثر من ساعة ونصف، للتفتيش وقلت مع نفسي هذا شيء حسن إذ يقومون بالتفتيش كإجراءٍ أمني، ولما وصلت إلى النقطة، لاتفتيش ولاهم يحزنون، شاب في مقتبل العمر واقف بمفرده ينظر إلى الناس فقط وآخر بيده جهاز يقولون أنه يكشف المتفجرات وحوالي ستة أشخاص يقفون على بعد أمتار من الشاب الذي يقوم بالتفتيش وهم يدخنون السكائر ويتكلمون بصوت عالٍ في منظر مقزز لايمت باي صلة بالمسؤولية المناطة بهم أو الإلتزام بروح الإنضباط العسكري الذي من المفترض أن يوحي بالهيبة والإحترام، وبعد عبورنا من النقطة مواصلين السير في الطريق المؤدي الى كربلاء، وإذا بصهري حسين الدليمي يقول لي أنظر على جانبك وسترى كيف قام الناس ببناء أماكن كثيرة لمبيت الزوار في أيام الزيارات، وكأنه يقول لي إن هذا شيء جيد وعمل كبير، فقلت له ماهذه العشوائيات والمباني المبعثرة لامانع من بنائها ولكن !! لماذا لاتقوم الحكومة ببناء 100 مجمع على غرار أماكن الإستراحة المنتشرة في العديد من دول العالم المتقدم وتوفر كل متطلبات المسافرين من وقود ومطاعم وخدمات كثيره أفضل من هذا البناء المبعثر والغير منظم.
وصلنا الى كربلاء وسط شارع خالٍ من الأشجار تماما إلا ماندر وقلت مع نفسي والله لو كنا نحب الحسين لجعلنا من كل شارع يؤدي إلى ضريحه من ايّ اتجاه، جنّة على الأرض وتخيلت الشارع من واشنطن الى ميناء بالتيمور حيث ساعة ونصف طريق لاترى فيه الشمس من كثرة الأشجار على جانبي الطريق ، تركنا سيارتنا في أحد الكراجات الخاصة وقلنا لصاحب الكراج بأننا سنترك السيارة هذه الليلةَ عندك حيث سنبيت في وسط مدينة كربلاء ونغادرها صباحاً الى النجف الأشرف، فأعطانا الكارد الخاص بمبيت السيارات، وتوجهنا إلى مرقد الإمام الحسين عليه السلام حيث كان ينتظرنا هناك (السيد علاء ضياء الدين) مدير متحف الإمام الحسين، قمنا بمراسيم الزيارة بمعية عدد من الموظفين في الحضرة الحسينية، وبعدها دخلنا الى المتحف الرائع الذي يديره السيد علاء، وطرحنا عليه فكرة إنشاء (متحف كبير خارج الصحن الحسيني) وبناء أضخم (بانوروما) تجسد واقعة الطف الأليمة، وكذلك اقترحنا عليه ضرورة تعيين مترجمين في المتحف يتكلمون بعدة لغات، ثم قمنا بجولة في الصحن الشريف الذي يعد جوهرة معمارية في البناء والتصميم والتوسع، ثم قمنا بزيارة ضريح الإمام العباس عليه السلام، وشاهدنا نفس التقدم الحاصل في البناء والتوسعة، تم مبيتنا في مجمع سيد الشهداء المخصص للوفود ويعتبر بحق روعة في البناء والإداره وتقديم الخدمات، وعند الفجر نهضنا على صدى صوت المؤذن، فتوجهنا الى الصحن الحسيني، صلينا الفجر وتناولنا وجبة الإفطار في المجمع، وتوكلنا على الله وعزمنا السفر الى النجف الاشرف.
أيضا الطريق من كربلاء الى النجف كان خالياً من الأشجار وتكثر على جانبيه العشوائيات السكنية، ولاتوجد فيه علامات للدلالة وهو طريق خطر، حيث السير عكس الإتجاه ومن كل الفروع المؤدية الى الشارع الرئيسي، وصلنا الى مدينة الكرار وكنت أعتقد بأنني سارى النجف كمدينة أربيل أو السليمانية في العمران والتنظيم، نعم هناك بعض الشواهد الجميلة والحديثة، ولكن مثل هكذا مدينة وبهذه الدرجة من القدسية والأهمّية، هذه النجف، مدينة علي بن أبي طالب عليهما السلام، يجب أن تكون أعظم مدينة في العالم بعد مدينة الرسول (ص) من حيث خصوصية العمران، ويجب أن تبنى من جديد بالكامل وتخطط من جديد وتشق فيها الطرق من جديد وتزرع فيها الأشجار المعمرة بكثافة، كي نثبت للعالم بأننا حقاً من عشاق أمير المؤمنين، وكذلك يجب أن يكون فيها مترو يرتبط بكل مدن الجنوب والوسط ومطار كبير جدا كالذي في مدينة دبي مثلا ً ، وكذلك يجب أن تكون فيها أكبر جامعة في العالم لتدريس العلوم الدينية، لاشيء يجذب الإنتباه الى مدينة النجف سوى أضرحة المسؤلين الاموات ومراقدهم التي تم بناؤها حديثاً من قبل عوائلهم والمخالفة لشروط البناء والتي أخذت مساحه واسعه من مقبرة وادي السلام على حساب الناس وقلت مع نفسي الله أكبر يسرقوننا أحياء وأموات ، زرنا موتانا في تلك المقبره التي تعتبر واحده من أكبر المقابر في العالم والتي يتمنى اي مسلم أن يدفن فيها لخصوصيتها ، ولكن مع الاسف الشديد رايت العجب العجاب في هذه المقبره !! وبينما نحن نسير في وسط المقبره للوصول الى مبتغانا وجدت عدد من الاطفال يتقافزون ويلعبون في المقبره فسالتهم ماذا تفعلون هنا ؟ فأجابوني بأنهم يسكنون في المقبره لعدم أمتلاكهم بيت يأويهم تسألت مع نفسي أين الحكومه المحليه في النجف من هذا ؟ أين الحوزات العلميه من هذا ؟ كيف للمسؤلين أن يخفو في بيوتهم وهؤلاء الاحياء يسكنون ديار الموتى وتذكرت أمام المتقين علي ابن ابي طالب عليهم السلام الذي كان لايغفو بليل ولايهجع في نهار وعندما يسألونه عن السبب يقول كيف لي أن أنام وأنا ولي أمر المسلمين ، تحدثت مع والدة الاطفال عن سبب وجودهم في المقبره أجابتني بنفس جواب ابنائها ، وقالت لي أن العديد من العوائل تسكن هنا ومنذ سنين !! وفي الطريق الى مقبرة العائله التي تم شرائها من قبل والدي في السبعينيات وتم بناء ( سرداب كبير ) فيها حيث تم تأثيثه بأثاث بسيط حيث توجد في هذا السرداب غرفه في الطابق العلوي وعند الطابق الاسفل يرقد الاموات كانت المفاجأه !! حيث وجدت شخص مع زوجته وأثنان من أطفاله يسكنون في ( سردابنا ) !! سلمت عليه وسألته عن سبب وجوده هنا وقلت له أن هذه مقبرة عائلتي فماذا تصنع هنا فأجابني بأن ابن عمتك هو الذي أعطاني مفتاح هذه المقبره لكي أحافظ على الاثاث الموجود فيها وعن الابواب والشبابيك التي سرقت أكثر من مره !! أتصلت بأهلي بالحال فكان الجواب نعم نحن كلفنا هذا الرجل بحراسة المقبره ، شكرته وقدمت له المساعده وسط ذهولي وأستغرابي من هذا الوضع العجيب ، وخلال تجوالي في المقبره كي نخرج منها الى عجلاتنا ونذهب الى خارج المقبره جذب أنتباهي ( سرداب كبير ) مكتوب عليه مقبرة ( بيت حمندي ) فتذكرت أصدقائي الاعزاء الدكتور وديع حمندي والاستاذ العزيز زيد حمندي وقلت لمن معي تعالوا لنقرا الفاتحه على أرواح الموتى في هذا السرداب لانهم من عائله كريمه ومعروفه الحسب والنسب قرئنا الفاتحه ةخرجنا من المقبره ، ومن الامور التي جذبت أنتباهي في النجف العمارات الشاهقه التي تم بناؤها وعلت على منارات الإمام علي (ع)، وقلت مع نفسي في واشنطن الأمريكان لايتجاوزون في البناء بأعلى من بناية الكونكرس، إذ لايجوز بناء أي عماره أعلى من بناية الكونكرس ونحن في النجف جميع العمارات أعلى من منارات الإمام أمير المؤمنين، فأين بناية الكونكرس من منارة علي بن ابي طالب؟
مقالات اخرى للكاتب