في منتصف ليلة الثالث والعشرين من نيسان (ابريل) الحالي ملأ الرصاص وصواريخ (آر بي جي) للبيشمركة والحشد الشعبي ارض وسماء مدينة الطوز التي تبعد (76 كلم) جنوب شرق كركوك، وتحولت الاشتباكات الى بداية معركة استغرقت يومين واستخدمت فيها الأسلحة الثقيلة.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تشتبك فيها المجموعتان المسلحتان في المدينة ولكنها كانت الأعنف حيث قتل فيها أكثر من قائد عسكري في صفوف البيشمركة لذلك جاء الرد من كردستان سريعاً.
وكانت قوات الحشد الشعبي التي وصلت إلى المنطقة في صيف 2014 بهدف الهجوم على مسلحي داعش في سليمان بيك وآمرلي قد دخلت طوزخورماتو، وعلى الرغم من أن قادة البيشمركة كانوا على علم بمجيئهم وراضين بها ولكن سرعان ما اندلعت نار الخلافات.
وفي اول اشتباك مسلح في تموز (يوليو) عام 2014 قتل مسلح من الحشد الشعبي في نقطة تفتيش تابعة للبيشمركة وأصيب اثنان من البيشمركة ولكن سرعان ما تمت تهدئة الوضع بجهود مسؤولي الطرفين.
وأخذت الضغائن تتراكم إلى أن انفجرت في يوم ماطر من نهاية ذلك العام عندما قتل الإمام والخطيب كوردي صلاح جميل على يد احد المسلحين، وكان ذلك كافيا لتوجيه أصابع الاتهام الى الحشد الشعبي وقد هوجمت مقرات للحشد الشعبي من قبل الكرد في المدينة.
وقد تكررت الاشتباكات بين الفينة والأخرى وفي أشكال مختلفة ولكن لم يتم ايجاد حل نهائي لها. فقادة الكرد والحشد الشعبي يجتمعون وهم يبتسمون ويتصافحون، إلا ان بركانا يغلي تحت مقاعدهم حيث تتمتع طوزخورماتو بمكانة إستراتيجية مهمة.
الموقع الجغرافي لطوزخورماتو جعلها الطريق الرئيس لربط كركوك مع بغداد وتكريت مع كركوك والمناطق الكردستانية في محافظة ديالى مع كركوك وبغداد كما يمر الطريق المؤدي الى مصفى بيجي المشهور ذات الأهمية أمامها.
وبالاضافة الى الاهمية الجغرافية، ستؤدي طوزخورماتو دورا مهما في الصراعات الطائفية والمذهبية في العراق.
ويتكون سكان المدينة من خليط من الكرد والعرب السنة والتركمان الشيعة وبالتالي فمن المهم للشيعة ان يكون لهم نفوذ وثقل في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة.
وكذلك يمكن للشيعة الوصول عبر طوزخورماتو الى مدينة داقوق جنوب غرب كركوك والتي تبعد عشرين كيلومترا عن طوز وتضم مرقد الإمام زين العابدين – الإمام الرابع من ائمة الشيعة الاثني عشر – ما جعل الميزان لدى الشيعة يميل الى طوزخورماتو.
وفي المقابل تعتبر طوزخورماتو اكثر اهمية بالنسبة للكرد الذين لا يريدون خسارة المناطق التي سيطروا عليها بعد تموز (يوليو) من عام 2013 عندما هيمن داعش على مناطق واسعة من العراق.
وتعتبر محافظة كركوك والمناطق الكردستانية في محافظة ديالى من اهم المناطق بالنسبة للكرد والتي يحكمونها بأغلبية بعد هيمنة داعش. وقد اصبحت طوزخورماتو محور تلك المناطق المهمة لذلك فان الكرد ليسوا على استعداد للتنازل عنها بسهولة.
اما الان وتنظيم داعش لا يبعد سوى (20 كلم) عن جبهات البيشمركة والحشد الشعبي – بل واقل من ذلك بكثير في بعض مناطق محافظة كركوك – بدأت القوتان في مقاتلة بعضهما وسال الدم بينهما.
وعلى الرغم من تأكيدات قادة الطرفين على أن لا تؤثر الخلافات في طوزخورماتو على علاقاتهما ولكن يبدو ان هذا الكلام الدبلوماسي لن يكون له تأثير على اخماد نار الخلافات.
وبعد يوم واحد من بدء الاشتباكات وخلال مراسم تشييع جثمان احد قادة البيشمركة في مدينة شقلاوة شمال مدينة اربيل قال سعدي احمد بيرة عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني في كلمة له للمشيعين: "مع الأسف عادت نية شوفينية ضد الكرد إلى الظهور وهي تريد ابادة الكرد من جديد كما كان خلال حكم صدام حسين" وكان بيرة يقصد بذلك الخلافات التي ظهرت في طوزخورماتو من جديد.
وقد تخندقت الان القوتان اللتان كانتا تقاتلان داعش بلا هوادة ضد بعضهما فيما يراقب داعش الاشتباكات بينهما بعد ان كان من المقرر أن تقضيا على داعش نهائيا.
مقالات اخرى للكاتب