كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، يوم26/4/2017، عن أكثر من خمسة ملايين “طفل يتيم” في العراق من مجموع 140 مليون يتيم في دول العالم أجمع، الأمر لا يقتصر على الرقم فقط، بل يدفع القارئ دفعاً إلى الاتجاه بنظره نحو السياسات “الرعناء” التي جعلت من العراق ساحة مفتوحة للمعارك المستمرة.البحث الذي أجرته “يونيسيف” بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني، بين أن “عدد الأطفال الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما يصل إلى نحو 5 ملايين في العراق”.وأوضحت “كل يوم يشهد تحول نحو 10 آلاف طفل في العالم إلى أيتام، بسبب الحروب والنزاعات والجفاف والأوبئة والمجاعات، وعدد من الأسباب المشابهة”، مشيرة إلى أن “عدد الأطفال الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما يبلغ نحو مليونين في أفغانستان، ومليونا في سوريا”.
وعلى العكس من ذلك فإن الأيتام في العراق لم يفقدوا ذويهم بسبب الكوارث الطبيعية، بل بسبب الحروب والمعارك التي “تفتعلها” أو تلك السياسات “الغبية” أحد أهم أسبابها، كما أنه بالمقارنة مع الدول المذكورة تجدر الإشارة إلى أن الحرب في أفغانستان تدخل حالياً عام السادس عشر ورغم ذلك فالأطفال الأفغان الأيتام أقل من نصف عدد الأيتام العراقيين، كما أن الحرب الدائرة في سوريا منذ نحو أربع سنوات أشد شراسة ووحشية وشملت جميع المدن والمحافظات السورية، ورغم ذلك فإن الأطفال الأيتام في سوريا يشكلون 20% مقارنة مع العراق!.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى وفاة نحو 16 ألف طفل تحت الخامسة من العمر يوميا، فيما تقول إحصائيات “يونيسيف” إن خمسة ملايين و900 ألف طفل تحت الخامسة فقدوا حياتهم حول العالم عام 2015، لأسباب من قبيل الحروب والأمراض ونقص الغذاء والدواء.وبالإضافة إلى ذلك، صاحب موجة اللجوء الأخيرة من الدول التي تعاني من النزاعات إلى أوروبا اختفاء عدد كبير من الأطفال.ووفقا لإحصائيات وكالة الشرطة الأوروبية “يوروبول”، شهد عام 2015 اختفاء نحو 10 آلاف من الأطفال اللاجئين الأيتام أو الذين وصلوا أوروبا دون مرافقة أي من ذويهم.وتتراوح أعمار هؤلاء الأطفال بين 13 و16 عاما، واختفى نحو 5 آلاف منهم بعد وصولهم إلى إيطاليا، وثلاثة آلاف و500 بعد وصولهم إلى ألمانيا، ولم تتوفر أي معلومات عن مصيرهم.
بالتزامن مع هذه الإحصائية “الصادمة” التي كشفت عنها “يونيسيف”، جدد رئيس الوزراء حيدر العبادي، يوم 29/4/2017 ، تأكيده على أن الفساد يعد أحد أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور تنظيم داعش في العراق، معبرا في الوقت نفسه عن حزنه لعدم بناء مشروعات في المحافظات برغم مخصصاتها المالية.ولا يزال العراق يحتل المرتبة 161 من أصل 168 على مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، حيث يعد استشراء الفساد في مؤسسات الدولة وسوء الإدارة أبرز تحد يواجه العراقيين منذ سقوط النظام السابق عام 2003.ولم يقتصر الفساد على المؤسسات المدنية وحسب، بل تعدى ذلك ووصل إلى المؤسسة العسكرية وبخاصة في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وبسبب ذلك تمكن تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية المتحالفة معه من احتلال ثلاث محافظات بالكامل وأجزاء كبيرة من محافظتين اثنتين.وقال العبادي في كلمة له في مؤتمر بشأن محاربة الفساد، إن “الخطوات الأولى التي قمنا بها في محاربة الفساد كانت في المؤسسة الأمنية لأن الفساد فيها ساهم بدخول داعش”.
ويقول منتقدون إن السياسة التي انتهجها المالكي طوال فترة حكمه، أسهمت في ظهور داعش بسبب نهجه الذي يصفونه بـ”الطائفي”، وخصوصا في المؤسسة العسكرية التي منيت بهزيمة في أعقاب الهجوم المفاجئ للتنظيم في الموصل وما حولها في صيف عام 2014.ويكافح العبادي، منذ أن تولى منصبه خلفا للمالكي قبل نحو ثلاث سنوات، ضد الفساد واتخذ سلسلة من الإجراءات التقشفية والإقالات التي طالت مسؤولين كبار، لاسيما في المنظومة العسكرية.وقال العبادي “لذلك اليوم قواتنا الوطنية مرحب بها في كل المحافظات وتحقق الانتصارات”.وأضاف أن “البعض يحاول أن يخلط الأوراق من خلال الإكثار من الاتهام بالفساد دون أدلة، اليوم العراق برغم الأزمة المالية تحسن تصنيفه الائتماني وضغطنا النفقات وأصبح الاهتمام اكبر بالطبقات الأضعف”.وتابع “ما يحزن هو عند الذهاب للمحافظات هناك مشاريع عديدة صرفت عليها مليارات الدنانير دون ان يستفيد منها المواطن”.
وعلى الرغم من احتجاجات واسعة ينظمها العراقيون بين حين وآخر بمدن مختلفة، لا يزال الفساد يبتلع موارد الحكومة في الوقت الذي تكافح فيه للتأقلم مع ارتفاع المصروفات بسبب تكلفة الحرب على تنظيم داعش الذي مازال يحتل الموصل ومناطق أخرى من البلاد.ومقابل هذه التصريحات نجد الفساد ما زال “مستفحلاً” في مؤسسات الدولة، في حين يعاني الأطفال الأيتام ممن فقدوا ذويهم أما بالمعارك الدائرة ضد تنظيم داعش ومن قبله تنظيم القاعدة، أو جراء التفجيرات والعمليات الإرهابية، كما أن عدداً غير قليل من هؤلاء الأيتام فقدوا حياتهم أيضاً بسبب اضطرارهم إلى العمل من أجل تأمين لقمة العيش لعائلاتهم التي فقدت من يعيلها.وبين محاولات القضاء على الفساد المالي والإداري و”تحجيم” الخلافات السياسية والتصعيد الإعلامي الذي يقف وراء “الانفلات” الأمني، وبين محاولة فرض الأمن والاستقرار للتوجه نحو الشرائح المعدمة وفي مقدمتهم الأيتام والأرامل لتوفير حياة كريمة لهم، بين هذا وذاك ستظل أعداد الأيتام وأطفال الشوارع وعمالة الأطفال في تزايد مستمر.