زينب بنت علي بن أبي طالب .. بنت الزهراء بضعة الرسول المصطفى
(صلوات الله وسلامه عليهم)
زينب بنت علي بن أبي طالب (ع) هي إحدى الشخصيات المهمة عند المسلمين حيث أنها ابنة علي بن أبي طالب أول إمام من أئمة الشيعة، ورابع الخلفاء الراشدين،من زوجته فاطمة الزهراء بنت النبي محمد(ص).
زوجها عليها السلام : ابن عمّها، عبدالله بن جعفر الطيّار الشهيد بن أبي طالب. وهو ممّن صَحِب النبيَّ صلّى الله عليه وآله، ولازمَ أميرَ المؤمنين عمّه عليه السّلام ،كما لازم الحسنَ والحسينَ عليهما السّلام، وأخذ العلم الكثير عنهم، وقد عُرِف بالجود والسخاء، والعفّة والخُلُق الرفيع.
هو : أبو جعفر عبد الله بن ذي الجناحين جعفر الطيار بن أبي طالب (رض) بن عبد المطلب الهاشمي القرشي.
وأما أمه فهي أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم الخثعمية شقيقة سلمى بنت عميس زوج حمزة بن عبد المطلب، وأما أخواتها لأمها هند بنت عوف فهي سيدتنا ميمونة بنت الحارث زوج رسول الله (ص) وأم لبابة زوج العباس بن عبد المطلب (رض)، ولبابة أم خالد بن الوليد بن المغيرة.
وأما جده لأبيه، فهو مؤمنُ قريش أبو طالب بن عبد المطلب (رض) الذي شهد له التاريخ بعظيم مواقفه. وأما جدته لأبيه فهي فاطمة بنت أسد أول هاشمية تزوجت بهاشمي، وأما جده الأعلى لأبيه فهو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.وأما شقيقاه فهما محمد وعون. وأخواه من أمه هما محمد بن أبي بكر الصديـق (رض) ويحيى بن علي. وأما زوجته، فهي ابنة و حفيدة رسول الله (ص) زينب بنت علي (ع).
كان أول مولود في الإسلام بأرض الحبشة وكانت ولادته سنة واحد للهجرة، ثم قدم مع والديه مهاجراً إلى المدينة في السنة السابعة للهجرة يوم فتح خيبر وكان قد بلغ من العمر سبع سنين، فوصلوا إلى النبي وقد فتحت خيبر. وفي السنة الثامنة للهجرة استشهد والده جعفر الطيار بن أبي طالب في معركة مؤتة، وكان عمره ثماني سنوات فكفله رسول الله وأولاه رعايته الخاصة لمكانة أبيه، وكذلك كان علي، أما هو فكان من أكثر الناس موالاة للسبطين الحسن والحسين. يروي أن الرسول (ص) أتاهم بعد استشهاد والده فقال: "ائتوني بابني أخي" ثم قال: "أما محمد فشبه عمي أبي طالب، وأما عبد الله فشبه خَلقي وخُلقي". ثم أخذ بيديه وقال: "اللهم اخلف جعفراً في أهله، وبارك لعبد الله في صفقته".
وروى إسماعيل بن عباس قال: "إن عبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير بايعا النبي وهما ابنا سبع سنين، فلما رآهما رسول الله (ص) تبسم وبسط يده وبايعهما".
كان عبد الله بن جعفر سريع الجواب، حاضر البديهة فصيحاً وافر الحشمة كثير العبادة يديم قراءة القرآن، سيداً عالماً عفيفاً حليماً جواداً كريماً حتى قيل عنه، قطب السخاء وبحر الجود وذو البجادين من الإكمال، لا يصله شيء من صلات إلا وزعها على أهل المدينة حتى لا يبقى منها شيء لنفسه، وكان يعفو عن الديون ويساعد في النوائب والملمات، وقال عنه معاوية بن أبي سفيان يوم أن عوتب على كثرة عطائه له: "هذا هدية ملك الدنيا إلى من هو أولى منه بالإمامة"، وقال غير واحد عنه: "إن أجواد العرب في الإسلام عشرة، وإنه لم يكن منهم أسخا منه". وهو آخر من رأى النبي (ص) وصحبه (رض) من بني هاشم. كان يمارس التجارة منذ صغره، فمر به رسول الله (ص) يوماً وهو يلعب فقال: "اللهم بارك له في تجارته". اشترك مع عمه علي بن أبي طالب في موقعة صفين، وكان أميره على قريش وأسد وكنانة. وكان له فيها وغيرها ذكر مشهور. وأما في كربلاء فلقد كان ممن كتب إلى الحسين يثنيه عن السفر إلى العراق. وعلى الرغم من عدم سيره معه فقد أرسل ابنيه عون ومحمد إلى كربلاء برفقة أمّهما زينب، فاستشهدا كلاهما، فقتل عبد الله بن قطنه التيهاني التميمي ابنه عون، وقتل عامر بن نهشل التميمي ابنه محمد.وقد روي أن عدم خروجه كان بسبب كف بصره، فلما نعي إليه الحسين وبلغه قتل ولديه عون ومحمد كان جالساً في بيته ودخل عليه الناس يعزونه، فقال غلامه أبو اللسلاس: هذا ما لقينا من الحسين (وكان الغلام قد ربى عوناً ومحمداً) فحذفه عبد الله بنعله وقال له: "يا بن اللخناء. أللحسين تقول هذا؟ والله لو شهدته لما فارقته حتى أقتل معه، والله إنهما لما يسخي بالنفس عنهما ويهون علي المصاب بهما، إنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه" ثم اقبل على الجلساء فقال: "الحمد لله، أعزز علي بمصرع الحسين، إن لم أكن واسيت الحسين بيدي فقد واسيته بابني".ولقد روى عدة أحاديث، وروى عنه أولاده، وأبو جعفر الباقر، والقاسم بن محمد، والشعبي، وعروة بن الزبير، وآخرون م، ومما رواه قوله: "أردفني رسول الله ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس". وكذلك ما رواه ابن عساكر عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قوله: "يا عبد الله هنيئاً لك مريئاً خلقت من طيني، وأبوك يطير مع الملائكة في السماء".
انتقل عبدالله بن جعفر (رض)إلى الرفيق الأعلى في المدينة المنورة سنة ثمانين للهجرة وعمره ثمانون عاماً ، ووري جسده الشريف البقيع ، وكان والي المدينة أبان بن عثمان بن عفان (رض)، فلما حضر غسله كفنه وحمله مع الناس وقد ازدحم على حمله ثم لم يفارقه حتى دفنه ودموعه تسيل وهو يقول عنه: كنت والله خيراً لا شر فيك، وكنت والله شريفاً واصلاً براً.
أبوه : جعفر بن أبي طالب (رض) الذي أستشهد في معركة مؤته ، وهو مدفون في المأدبة بالأردن ـ حيث حدثت المعركة بين المسلمين والروم ـ وله مزار شريف يؤمه المسلمون المحبون لآل البيت عليهم السلام. وغزوة مؤتة أو سرية مؤتة، جرت الغزوة في جمادي الأول من العام الثامن للهجرة (آب 629 م) بسبب قتل الحارث بن عمير الأزدي رسول الرسول محمد إلى ملك بصرى على يد شرحبيل بن عمرو بن جبلة الغساني والي البلقاء الواقع تحت الحماية الرومانية؛ إذ أوثقه رباطا، فقدمه، فضرب عنقه. سبب هذه المعركة أن النبي محمد بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم بُصْرَى ، فعرض له شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني ـ وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر ـ فأوثقه رباطاً ، ثم قدمه ، فضرب عنقه .وكان قتل السفراء والرسل من أشنع الجرائم ، يساوي بل يزيد على إعلان حالة الحرب ، فاشتد ذلك على النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)حين نقلت إليه الأخبار ، فجهز إليهم جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل ، وهو أكبر جيش إسلامي لم يجتمع قبل ذلك إلا في غزوة الخندق.
أولادها عليها السلام :ــ
محمّد بن عبدالله ، أبو الحسن عليّ، المعروف بـ «عليّ الزَّينبيّ».. وذريّة زينب عليها السّلام من هذا الولد، وعَون الذي استُشهد يوم عاشوراء في كربلاء في نصرة خاله الإمام الحسين عليه السّلام ، ويُعرف بـ (عون الأكبر(،عبّاس،أُمّ كلثوم، رُقيّة ،عبدالله .. وهو آخر أولادها عليها السلام.
الذي يمكن التثبُّت من استشهاده يوم كربلاء من أولاد السيدة زينب (ع) هو عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (ع) أفاد ذلك جمع من المؤرخين كأبي الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين وناسخ التواريخ كما حُكي عنه وغيرهما.
هذا وقد ذكر الطبري في تاريخه تبعاً لأبي مخنف في مقتل الحسين (ع) أنَّ عون بن عبد الله بن جعفر أمه جُمانة بنت المسيَّب بن نجبة إلا أن ذلك اشتباه منهما كما هو الظاهر، فإن ابن جمانة هو عون الأصغر بن عبد الله بن جعفر، وأما الشهيد في كربلاء فهو عون الأكبر كما نصَّ على ذلك الكثير من المؤرخين، فقد كان لعبد الله بن جعفر ولدان باسم عون أحدهما الأكبر وهو الذي استشهد في كربلاء والثاني قُتل في واقعة الحرة، والذي استشهد في كربلاء هو ابن السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب (ع).
واستشهد أيضاً من أبناء عبد الله بن جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر، وقد اختُلف فيمن هي أمه، وأكثر من وقفنا على كلماتهم من المؤرخين وعلماء الرجال قالوا انَّه ابن الخوصاء بنت خصفة بن ثقيف إلا أنَّ السيد محسن الأمين أفاد في لواعج الأشجان وكتابه أعيان الشيعة انَّه قيل أنَّ أمه هي السيدة زينب بنت أمير المؤمنين(ع).
لزينب قدسية خاصة عند الشيعة، بسبب دورها في معركة كربلاء التي قتل فيها أخوها الحسين بن علي بن أبي طالب وعدد من أهل بيته (ع) . ويعتقد الشيعة بعصمتها بالعصمة الصغرى ، ويحتفل الشيعة في يوم ميلادها في الخامس من جمادى الأولى. وكذلك يحيي الشيعة ذكرى وفاتها عليها السلام كل عام . والقول المشهور بين الشيعة أن ولادة زينب بنت علي (ع) كانت في الخامس من جمادى الأولى من السنة السادسة للهجرة، وتوجد أقوال تاريخية أخرى في تحديد يوم ميلادها، ولكن هذه الأقوال غير معتبرة،ويعتقد المؤرخون الشيعة بأن ولادتها كانت قبل تسقيط المحسن(ع) ، فيما يعتقد المؤرخون السنة بأن ولادة زينب كانت بعد ولادة المحسن . من القضايا الخلافية الأساسية بين الشيعة والسنة هو المحسن بن علي بن أبي طالب، حيث يعتقد الشيعة بأن فاطمة الزهراء قد أسقطته بعد حادثة كسر الضلع. فيما ينكر السنة وقوع هذه الحادثة أصلاً، ويقولون بأن المحسن قد ولد ولكنه لم يُقدر له أن يعيش، فتقول الكاتبة السنية عائشة عبد الرحمن في كتاب بطلة كربلاء ما نصّه: ”إنها الزهراء بنت النبي، توشك أن تضع في بيت النبوة مولوداً جديداً، بعد أن أقرت عيني الرسول بسبطيه الحبيبين: الحسن والحسين، وثالث لم يقدر الله له أن يعيش، هو المحسن بن علي“.
هناك قولان في معنى كلمة زينب ؛ الأول أن "زينب" كلمة مركبة من (زين أب) أدغم الألف للتخفيف،أما الثاني فهو أن "زينب" كلمة بسيطة وليست مركبة، وهي اسم لشجرة أو وردة زكية العطر عبقة،وهذا ما صرّح به مجد الدين الفيروزآبادي في القاموس المحيط، بقوله: ”الزَّيْنَبُ: نبات عشبيٌّ بصليّ معمّر من فصيلة النرجسيات، أزهاره جميلة بيضاء اللون فوّاحة العرف، و به سُمِّيت المرأة.“
جاء التعبير عن زينب في بعض المصادر التاريخية، وعلى لسان بعض الخطباء والمؤلفين بـ”العقيلة“، والعقيلة وصف لها وليس اسماً، فيقول أبو الفرج الأصفهاني: ”العقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في فدك، فقال: حدثتنا عقيلتنا زينب بنت علي“.
وللعقيلة معاني عديدة في اللغة، فمنها: المرأة الكريمة، والنفيسة، والمُخَدَّرة.[8] ويقول ابن منظور في لسان العرب: ”عقيلة القوم: سيدتهم، وعقيلة كل شيء: أكرمه“. كما يقول الفيروز آبادي في القاموس المحيط: ”العَقِيلَةُ: الكريمة من نساء الرجل: زوجته، تستعمل في المواقف الرسمية بخاصة؛ وجَّه الرئيس وعقيلتُه الدعوةَ إلى رئيس الدولة الصديقة وعقيلته.
كما انتشر عدد من الألقاب لزينب .. منها: ــ
زينب الكبرى ــ الحوراء ــ أم المصائب ــ الغريبة ــ العالِمة غير المعلمة ــ الطاهرة ــ السيدة ـ ــ بطلة كربلاء الفاضِلة ـ الكاملة ـ عابِدةُ آل عليّ ـ عَقيلة بني هاشم ـ عقيلة الطالبيّين ـ والعقيلة هي المرأة الكريمة على قومها..العزيزة في بيتها ـ المَوثــّقة ـ العارفة ـ «الصِّدّيقة الصغرى» تفريقاً بينها وبين أمّها الزهراء «الصدّيقة الكبرى» (عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم) .
اختلف المؤرخون في تحديد سنة وفاتها،وأن كان الأرجح عند كثير من الباحثين أنها توفيت في سنة 62 هـ، لكن ذهب آخرون إلى أن وفاتها سنة 65 هـ، بالرغم من الاتفاق أن وفاتها كانت في يوم 15 رجب. وذكر الكثير من المؤرخين وسير الأخبار بأنها توفيت ودفنت في دمشق, ورأي آخر على أنها دفنت في القاهرة مع أنه لا يوجد أي كتاب مؤرخ لمزارات مصر يدل على وجود قبر لزينب في مصر ، بل دلت كثيرا على قبر السيدة نفيسة ، مثل الإمام الشافعي الذي زار قبر السيدة نفيسة ، ويرجح البعض إلى أن قبر السيدة زينب في القاهرة هو قبر السيدة زينب بنت يحيى المتوج بن الحسن الأنور بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وذكر النسابة العبيدلي في أخبار الزينبيات على ما حكاه عنه مؤلّف كتاب السيدة زينب: إنّ زينب الكبرى بعد رجوعها من أسر بني أميّة إلى المدينة أخذت تؤلّب الناس على يزيد بن معاوية، فخاف عمرو بن سعد الأشدق انتقاض الأمر، فكتب إلى يزيد بالحال، فأتاه كتاب يزيد يأمره بأن يفرّق بينها وبين الناس، فأمر الوالي بإخراجها من المدينة إلى حيث شاءت، فأبت الخروج من المدينة وقالت: لا أخرج وإن أهرقت دماؤنا، فقالت لها زينب بنت عقيل: يا ابنة عمّاه قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث نشاء، فطيبي نفساً وقرّي عيناً، وسيجزي الله الظالمين، أتريدين بعد هذا هواناً؟ ارحلي إلى بلد آمن، ثم اجتمع عليها نساء بني هاشم وتلطّفن معها في الكلام، فاختارت مصر، وخرج معها من نساء بني هاشم فاطمة ابنة الحسين وسكينة، فدخلت مصر لأيام بقيت من ذي الحجة، فاستقبلها الوالي مسلمة بن مخلد الأنصاري في جماعة معه، فأنزلها داره بالحمراء، فأقامت به أحد عشر شهراً وخمسة عشر يوماً،وتوفيت عشية يوم الأحد لخمسة عشر يوماً مضت من رجب سنة اثنتين وستين هجرية، ودفنت بمخدعها في دار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى، حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري بالقاهرة ، فيما تشير روايات أخرى إلى أن عبد الله بن جعفر الطيار(رض) رحل من المدينة،وانتقل مع زينب(ع)إلى ضيعة كان يمتلكها قرب دمشق في قرية اسمها راوية،وقد توفيت زينب (ع) في هذه القرية ودفنت في المرقد المعروف باسمها ، والمنطقة معروفة الآن بالسيدة زينب وهي من ضواحي دمشق .
يعتقد الشيعة بعصمة النبي محمد وابنته فاطمة الزهراء والأئمة الاثني عشر(صلوات الله وسلامه عليهم) ويعتقدون بأنَّ بعضاً من أبنائهم وبناتهم معصومون أيضاً، ولكن عصمتهم تختلف،يقول محمد الحسيني الشيرازي في كتاب «العباس والعصمة الصغرى»: ”ليسوا معصومين عصمة الأنبياء والأئمّة لكنّهم يمتلكون بعض خواصّ المعصومين، وهذه ما أسماها البعض منّا بالعصمة الصغرى. والفرق أنّ من له العصمة الكبرى يستحيل عليه العصيان استحالة وقوعية، وأمّا مـن له العصمة الصغرى لا يعصي الله سبحانه وتعالى طرفة عين وإن لم يكن العصيان عليه مستحيلاً“.
أهم الوقائع في حياتها:ـ
جُلُّها فجائع أهل البيت عليهم السّلام، وأحداث الإسلام المريرة، حيث شهدت حالة الانكفاء والانقلاب على وصايا رسول الله صلّى الله عليه وآله. وعاشت محنة وفاة جدها النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم. ثمّ كان ما كان.. من شهادة أمّها الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها، ودفع أبيها الوصيّ عن مقامه الإلهيّ في قيادة المسلمين حتّى أصبح جليس داره، فإذا دُعي للخلافة الظاهرة قامت في وجهه الفتن، فاضطُرّ إلى دفعها في: الجمل وصفّين والنَّهروان، وما هدأ مناوئوه حتّى غَدروا به في بيت الله، عند محراب السجود لله جلّ وعلا.
وبعد شهادة أبيها أمير المؤمنين عليه السّلام ـ وما كان أشدَّها وأفجعَها عليها! ـ قامت فتن معاوية الذي فضح نفسه بعد عقد الصلح، فعاشت العقيلة زينب عليها السّلام تلك الأحداث العصيبة حتّى كانت المصيبة بشهادة أخيها السِّبط المجتبى أبي محمّد الحسن سلام الله عليه. وما هي إلاّ سنوات وهي ترافق أخاها الإمام الحسين عليه السّلام في ظروفه الصعبة. حتّى تسنّم يزيد زمام الحكم، فرأى سيّد شباب الجنّة أن يواجه الظلم والانحراف؛ حفاظاً على قيم الإسلام ومبادئه من أن تشوّه ثمّ تمحى.
فكانت الرحلة القدسيّة إلى كربلاء الطفّ، لتقف زينب الكبرى عليها السّلام على المشاهد الرهيبة.. فكان منها القلب الصبور، واللسان الشكور، رغم تعاظم المصائب والكروب عليها، وتزاحم النوائب أمام عينيها، فتجرّعت غُصَصَ الآلام والمآسي، وتحمّلت الرزايا العجيبة وهي تنظر إلى أشلاء الضحايا المقدسة مجزرين على صعيد كربلاء، وترى مصارع إخوتها وأبنائها وبني عمومتها، وذويها، وأصحاب أهل بيتها.ثمّ كان ما كان، من السَّبي والأسر، والسفر المرير في حالٍ من الإعياء والجوع وشماتة الأعداء ومواجهة قتلة أهلها. هذا.. وزينب العقيلة بنت أمير المؤمنين عليه السّلام، تلك العارفة العالمة غير المعلَّمة، والفهِمة غير المفهَّمة.. تعيش المحن التي هجمت على الرسالة وعلى آل الرسول، وتشاهد كيف يكون غصب الحقوق الإلهيّة ثمّ هتك الحُرم القدسيّة، فيُقتل أولياء الله الأعاظم، ويسعى المتسلّطون على رقاب المسلمين فساداً وعبثاً وظلماً وتحريفاً لمبادئ الدين الحنيف.
وهذه المرارات.. كلّ واحدة منها كفيلة بأن تقضي على المرء.. لولا صبرها الذي أعجب ملائكة السماء، ولولا أن قدّر الله تعالى أن تعيش أخطر الوقائع في حياة الرسالة وأهل بيت الرسول صلّى الله عليه وآله، وتقف إلى جنب أخيها سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه، فهي الأليق بعد المعصوم أن تواصل نهضته الشريفة، وأن تنقل تلك الواقعة الرهيبة إلى امتداد التاريخ وانبثاق الأجيال.
السلام عليكِ يا سيدتي يا بنتَ رسول الله (ص) ـ ما بقي ليلٌ ونهار ـ ورحمة الله وبركاته ؛؛؛