وقفت محاولاً التأمل فيلم استطع، لأن الحواجر السمنتية تحيط بزاوية المكان تتعذر رؤية كاملاً، باستثناء الرأس فقط، انه تمثال الصرخة الذي صممه الطبيب الفنان علاء بشير ذا دلالة على ابشع جريمة على كثرة جرائمها اقترفته القوات الامريكية في مذبحة بشرية من خلال ضرب ملجأ العامرية بصواريخها التي اكلت البشر والحجز.
اكثر من اربع مئة انسان تحولوا الى كتل فحمية وهم الذين لجأوا الى هذا المكان خشبة من الموت فتلقفتهم الحضارة الامريكية بالحرق أحياناً وحولت الملجأ الى كتلة نارية أتت على العوائل من الجدات والاباء والابناء والامهات الذين لاذوا بهذا المكان خوفاً من الموت خارجه.
لم استطع ان ارى من النصب ما يشير الى الواقعة- الجريمة، فأكداس من التراب تغطيه حتى لتعتقد بأن احدهم قد صبغه باللون الرمادي فضلاً عن الاسلاك الشائكة التي تحيط بالحيطان السمنية ولقد تحول الملجأ الى فراغ مكاني لا يشير ولا يدل الى الحادثة المروعة التي حصلت فيه فعلى جوانبه اسواق شعبية لبيع الخضروات والفاكهة ومن خلفه مجمع صحي وعيادات اطباء وقاعة للعلاج الطبيعي لمرضى المفاصل والعظام وغضاريف الركبة وسوفان الرقبة!.
حين تكون في المكان تشعر كأن شيئاً لم يحدث فالنصب لا دلالة له على المكان وعلى الحدث، والشارع مشغول بالمتسوقين والمتسولين ولم يكلف احد نفسه بغسل النصب ولو بالماء لكي تعود له نضارته وقيمته الفنية ودلالته على اكبر حدث مأساوي في تاريخ العراق، اذ لم يحدث ان قتل في دقيقة واحدة اكثر من اربع مئة انسان جلهم من الاطفال الصغار الذين هربوا من الموت فجاءهم الموت من الطائرات الامريكية التي كانت تعتقد ان الملجأ مؤسسة عسكرية او مخبأ لقيادات الدولة!.
رأس انسان بصرخ في وجه العالم من خلال شفتين مزمومتين يسمع صدى الصرخة كل الحجر المتناثر اسفل النصب، ولكن احداً ممن كنت اراقبهم وان اقف على الرصيف المقابل لهلم يكن ليعبأ بالقصة التي اصبحت قديمة ولقد اعطى الله للانسان نعمة النسيان وباستثناء اهالي الضحايا، فلا احد يتذكر هذه المحرقة الامريكية بامتياز بدليل انه مرت ذكراها دون ان يكلف احد نفسه نفض الغبار عن الصرخة!!
مقالات اخرى للكاتب