حقاً لقد كان على صواب القائد المسلم طارق بن زياد حين أعلن في مشورته على المسلمين عند فتحه للاندلس في مقولته الشهيرة : " أيها الناس؛ أين المفرُّ؟! البحر من ورائكم والعدوُّ أمامكم"، هذا ما يعبر ايضاً عن واقعنا اليوم في العراق، فالارهاب والفساد يلاحقانا ويستهدفانا من كل مكان، الارهاب التكفيري، الذي يدعي محاربة أهل الكفر والخارجين عن الاسلام ليدخلوهم في دين الله أفواجاً، عن طريق ممارسة أشد وأبشع أنواع الطرق والاساليب الاجرامية والعدوانية المتطرفة التي تبعد الناس عن دين الله أفواجاً ولا تقربهم منه شبراً واحداً هذا من جانب، ومن جانب آخر معاناة العراق وشعبه من الفساد السياسي، للسلطات الثلاث والاحزاب والكتل المتخمة بالحرام والاجرام، والتي تدعي انها تحامي عن الحقوق والحرمات والمقدسات، وهي من تخرق تلك الحرمات والاعراف والانظمة والقوانين بما ترتكب من خروقات وأخطاء وكوارث، أمنية وأقتصادية وسياسية وأجتماعية وقانونية، وهذا ما جعل العالم ينظر الى العراق على أنه دولة غير مستقرة، وبلغ الفساد فيها مكاناً علياً وبلغ الجبال طولاً.
ماذا بقي للعراق والعراقيين وهما يتعرضان لأخطر سرطانين مدمرين في العالم، الارهاب والفساد، والله لو أن واحداً منهما دخل بلد ما لهدمه، فكيف بالأثنين معاً نجدهما في العراق، وما هو مصيرنا حينئذٍ، بالطبع أنه هذا ما وصلنا اليه من حال مأسوي كارثي لا مثيل له في كل العالم، يأكل بنا الارهاب وينخر بنا الفساد من كل جانب، ولا يوجد فينا شيء سليم، كل شيء فينا هالك، الوطن والمواطن والوطنية، ولم نعد سوى ضحايا وبقايا بشر، بين مطرقة الارهاب وسندان الفساد، وهل يرتجى نفع وفائدة من هكذا حال، ومن شعب هذه صورته.؟
لقد تفآلنا خيراً بالخلاص من نظام جثم على العراقيين سنوات طوال، وبقدوم الديمقراطية وزوال الدكتاتورية، ولكن الحال نفس الحال، فلا تغيير الا بالوجوه والاشخاص والجماعات، وتحول أتباع النظام السابق الى معارضة وقتلة ومجرمين يقفون صفاً واحداً مع الارهابيين، ويساندوهم في كل شيء، في سبيل الخلاص من النظام الديمقراطي الجديد وحكامه الجدد، اما الحكام والساسة فانهم جاءوا ليعوضوا ما فاتهم من جاه وأموال وأحوال ويسدوا نقصهم طوال تلك السنين ليتحولوا الى مافيات وجماعات هدفها نهب العراق وافراغه من خيراته وثرواته وطاقاته. وهذا ما حصل فعلاً على أرض الواقع، ارهاب أعمى متطرف، يرعب ويرهب الناس في كل مكان، وفساد مدقع يقتل الابرياء والمساكين ويسرق قوتهم اليومي ويلقي بهم في قارعة
الطريق، وهذا كله حصل بفضل تلك السياسات الخرقاء التي لم تقدم لنا سوى الشر والخراب والدمار والارهاب والفساد.
لم يكن بمقدور الارهاب في العراق، أن يكون وينمو ويتطور بشكل كبير لولا وجود الفساد، لأنه هو من كان وراء ذلك كله، وهو الذي كان سبباً أساسياً في دخول الارهاب للبلد، وذلك بفضل سياسات غض النظر وعدم المحاسبة والمراقبة، وسياسات المحاصصة والطائفية والمناطقية والحزبية والشخصنة والفئوية الضيقة، التي جرت الويلات والثبور على هذا البلد، وجعلته صفر اليدين، وأكل الارهاب والفساد أخضره ويابسه ولم يبقيا له شيء يذكر.
ان الكثير من السياسيين والقادة العسكريين والامنيين يسعون لمحاربة الارهاب والحركات التكفيرية وتطهير المدن العراقية من القتلة والمجرمين، عن طريق الجهد الكبير الذي تقوم به القوات المسلحة، من جيش وشرطة وحشد وعشائر، ولكن هذا وحده لا يكفي لتحصيل الامن والامان وأستقرار العراق، لأن الفساد هو الجبهة الاولى والكبرى التي يجب محاربتها والقضاء عليها، فبقائه وأستمراره في جسد الدولة أمر خطير حتى وأن تم محاربة الارهاب، لأنه أرهاب أيضاً، أرهاب مالي وأداري وأقتصادي وسياسي وأجتماعي وأمني، لا يقل خطورة من التطرف والتكفير والقتل والابادة، فالارهاب والفساد هما جناحا الشر والخراب والدمار، لا يستقر بلد وشعب بوجودهما معاً، ويجب محاربتهما ومواجهة خطرهما بسلاح واحد، وعند القضاء عليهما تماماً نفكر حينئذٍ ببناء بلد آمن ومزدهر، وهذا ما نحتاجه اليوم في العراق من قبل الساسة والمسؤولين على ادارة أمر هذا البلد، ضرب ودحر الارهاب والفساد بيد واحدة، أما الادعاء من قبل المسؤولين بأننا يجب محاربة الارهاب والقضاء عليه وبعدها تبدأ صفحة محاربة الفساد ومقاضاة المفسدين، فهذا كذب وزيف وفساد كبير يضاف الى سلسلة الوعود الفاسدة التي شبع منها وجزع المواطن العراقي، وهذا فساد يجب محاربته أيضاً، وهذا ما جعل المواطن العراقي مستاء بدرجة كبيرة من سلسلة الوعود والاماني التي مني بها من قبل الساسة والاحزاب والقادة السياسيين والامنيين ومن البرلمان والقضاء والحكومة، وهي بالتالي مجرد وعود في وعود، والخروقات الامنية والفساد الاداري يزداد يوماً بعد يوم، فلا اصلاح ولا بناء ولا مشاريع ولا أمن ولا أمان ولا محاسبة للمفسدين، وتستمر سلسلة الوعود والتخدير وخدعة الاصلاحات والتغيير، التي يصرح بها المسؤول، ولكن واقع الحال كذب في كذب، وزيف في زيف، والعراق يتقهقر الى الوراء، والشعب لا حول ولا قوة، واقع بين مطرقة الارهاب وسندان الفساد، ولن تقوم لنا قائمة الا بالقضاء التام على هذين المرضين الخطيرين واستئصالهما من الجذور، لتعود للعراق عافيته وكرامته وكينونته بين الشعوب والدول.
مقالات اخرى للكاتب