لا يختلف اثنان ان ثمة مفاهيم مغلوطة في صلب انتمائنا الفكري والطقسي ازاء القضية الحسينية جاءت نتيجة الفهم السطحي احياناً او الانتماء العاطفي للقضية وعلى الرغم من انها مفاهيم مغلوطة الا انها تبقى شيء من الانتماء للقضية وتحتاج من المتفقهين في فكر القضية الحسينية الانتباه لاعادة ترميم الانتماء وتشذيبه من اي شوائب قد تلصق به نتيجة للتصوف العاطفي تارة او لدس الذين يحاولون تشويه القضية بعض من الافكار العاطفية الخالية من الفكر والتنوير والفهم الواع للقضية الحسينية الخالدة .
وهنا لابد ان نسجل اعتراضنا حول الاستمرار بحمل صدر قصيدة الشاعر الشريف الرضي ((( كرْبَلا، لا زِلْتِ كَرْباً وَبَلا ))) معتمداً الشاعر في كتابة مطلع قصيدته على مرويات ذكر فيها الرسول (ص) شيء من معنى هذه المقولة ليتحول مطع هذه القصيدة الى شعار طالما نردده في طقوسنا العاشورائية ..ونخطه على لافتات العزاء الا انها خطأ فادح لا يليق بحاضر الارض التي تحتضن الاجساد الطاهرة لآل محمد (ص) ,فللقصيدة زمنها ومعناها ولا يجب الاستمرار فيها ونسيء للارض التي إحتضنت الاجساد الطاهرة لآل البيت (ع ) الذين طهرهم الله عز وجل بالقرآن الكريم وأذهب عنهم مطلق الرجس ومن هذا المنطلق لا بد ان نعترض على مطلع هذه القصيدة لان كربلاء لم تكن يوماً من الايام كرباً وبلاء لبيت النبوة بل هي الارض التي اختارها الحسين (ع) كي تكون ارض المواجهة بعيدا عن المدينة ومكة كي يحفظ هيبتهما فكان الخيار كربلاء , كما هي الارض التي قبلها رسول الله حينما اتى له جبريل (ع) بحفنه منها وحفظها الرسول (ص) عند أم سلمة ، وهنا تتوضح جملة من الاسئلة , ما الفائدة من إتيان الملك المرسل من الله عز وجل بتربة كربلاء ؟؟، كان بالامكان الاكتفاء باخبار الرسول (ص) عنها من غير أن يأتي بها ؟؟،وما فائدة تقبيل رسول الله (ص) لهذه التربة ؟؟؟ ، وما فائدة توصية رسول الله (ص) لأم سلمة أن تحفظ هذا التراب ؟؟ , كل ذلك يؤكد على قدسية هذه التربة , .
{ في الهيثمي في مجمع الزوائد قال :عن نجي الحضرمي أنه سار مع علي (ع) وكان صاحب مطهرته فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين , فنادى علي : إصبر أبا عبد الله إصبر أبا عبد الله بشط الفرات , قلت : وما ذاك ؟ , قال : دخلت على النبي (ص) ذات يوم وإذا عيناه تذرفان , قلت : يا نبي الله أغضبك أحد ؟ ، ما شأن عينيك تفيضان ؟ , قال : بل قام من عندي جبريل (ع) قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات, قال فقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ , قلت : نعم , قال : فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عينيي أن فاضتنا} , لذا يتوضح بأن ثمة خصوصية لهذه التربة المقدسة ركز عليها الوحي ومن ثم رسول الله (ص) وقداستها تأتي كونها لامست يد النبي (ص) وفمه ويد الوحي المرسل من الله ، وهل ثمة ارض اكثر قداسة من ارض عجنت بدم الحسين (ع) وإحتضنت جسده الطاهر ؟؟,{ قال الهيثمي في مجمع الزوائد : عن أم سلمة قالت : كان رسول الله (ص) جالساً ذات يوم في بيتي ,قال : لا يدخل عليّ أحد , فإنتظرت ، فدخل الحسين (ع) ، فسمعت نشيج رسول الله (ص) يبكي ، فإطلعت فإذا حسين (ع) في حجره ، والنبي (ص) يمسح جبينه وهو يبكي , فقلت : والله ما علمت حين دخل , فقال (ص) : إنّ جبريل (ع) كان معنا في البيت , قال لي : أتحبه , قلت : أما في الدنيا فنعم , قال لي : إنّ أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها : كربلاء ، فتناول جبريل من تربتها فأراها النبي (ص) فلما أحيط بحسين (ع) حين قتل , قال : ما إسم هذه الأرض ؟ قالوا : كربلاء ، فقال : أرض كرب وبلاء }, وهنا ذكر الرسول ( ص) كربها وبلاءها لآل الرسول (ص) يوم عاشوراء تحديداً ولم يعطي للجملة فعل الاستمرار ويسبق الجملتين بـ( لام ) الاستمرار كما هي اليوم ذلك لان شعار (كرْبَلا، لا زِلْتِ كَرْباً وَبَلا) من الجانب اللغوي فيه اشكالات لا نرتضيها لقداسة كربلاء فــ( لازالت ) هي من اصل ( لازال), وهنا فأن الـ( لام ) في جملة ( لازلت) هي في الواقع (اللام النافية) إذا دخلت على الماضي جعلته يحمل معنى الدعاء لا الخبر , مثلاً ان كانت الجملة ((لازال عمر مريضا )) فأن المتحدث يدعو على عمر بأن يستمر مريضا وعلى منوال قولنا : (( لا فض فوك ، لا شلت يمينه ، لا نامت أعين الجبناء ... ..إلخ )) ,وقد وظف " لا زال " بمعنى الدعاء في قوله : (( ألا اسلمي يادار مي على البلى.. ولازال منهلا بجرعائك القطر لها بشر مثل الحرير ، و منطق ... رخيم الحواشي ... لا هراء ، ولا نزر )) فهو يدعو لدار سلمى يأن يستمر القطر - الغيث - منهلا على رملها كعادة العرب قديما , إذا أريد لـــ( لام ) الداخلة على الماضي أن تكون للنفي كررت في مثل قولنا : ( لا شرب ولا أكل ، لا صام ولا صلى ، لا سمع ولا وعى ...إلخ) .
خلاصة القول .... (( لازال)) تفيد الدعاء, و ((مازال )) تفيد الإخبار, وكلاهما لا ينسجمان مع قدسية الارض التي لامست كف الوحي ( ع) وقبلها الرسول ( ص) وشمها الولي (ع) واختارها السبط ارضاً لاحتضان مواجع آل الرسول (ص) لتكون بؤرة الاحرار ونقطة ارتكاز الحرية والانسانية في العالم حتى باتت محج الناس ومنتهى زحفهم المليوني ,فهل ارض بهذه القداسة والحاضر المهيب نقول عنها ارض كرب وبلاء ؟؟!!! بل هي ارض عاقبة الخير وجنة الله في الارض التي تجسدت فيها كل معاني الايثار والشجاعة والصبر والاسلام المحمدي الاصيل , لذلك مدعوون جميعاً لحمل شعار ( كربلاء ماعدت كرباً وبلاء ...بل مازلتِ عزٍ وآباء ) ...
مقالات اخرى للكاتب