ستیفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية في القانون الدولي الجنائي والقانون الجنائي الوطني
الاثنين, كانون الأول 29, 2014
ماجد احمد الزاملي
اِ قبل الحديث عن المزايا و العقبات التي تعترض ضحايا الجرائم الدولية في استيفاء حقوقهم ، لا بد أولا من تعريف الضحية في القانون الدولي الجنائي ، و الغرض من ذلك معرفة من هم الأشخاص الذين يجوز لهم الاستفادة من الحقوق التي تقرها لهم القوانين الوطنية و القانون الدولي الجنائي ، و تعد هذه المسألة من أهم النقاط التي تركزت عليها الجهود الدولية في مسار تطور المركز القانوني لضحايا الجرائم الدولية . إذ لم يقتصر الاهتمام المتزايد بوضع ضحايا الجرائم الدولية على إيجاد السبل القانونية لضمان حقوقهم و مساعدتهم في التغلب على الآثار السلبية للجرائم الدولية التي كانوا ضحية لها ، بل تعدى ذلك إلى محاولة تحديد تعريف شامل لضحايا الجرائم الدولية يسمح بإدراج جميع الفئات المتضررة من ارتكاب الجرائم الدولية ، و بالتالي توسيع فئة الأشخاص الذين يجوز لهم الاستفادة من الحماية القانونية ، أو على الأقل ضمان أن لا يعتري هذا المفهوم نقص أو قصور أو غموض أو لبس ما. حيث جاء نص المادة 5 من اتفاقية منع جريمة الإبادةالجماعية في سنة1948 كما يلي : " يتعهد الأطراف المتعاقدون بأن يتخذوا ،كل طبقا لدستوره ، التدابير التشريعية اللازمة لضمان إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية ، و على وجه الخصوص النص على عقوبات جنائية ناجعة تنزل بمرتكبي الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة " . أما نص المادة 6 من الاتفاقية فجاء على النحو التالي : " يحاكم الأشخاص المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها ، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها " الاتفاقية ، و تعد المادة 9 من هذه الاتفاقية بمثابة النص الوحيد في هذه الاتفاقية الذي أشار إلى تحمل المسؤولية عن جريمة الإبادة الجماعية ، إلا أن ذلك يكون في إطار نزاع بين دولتين أمام محكمة العدل الدولية لتحديد ما إذا كانت دولة معينة تتحمل المسؤولية عن جريمة الإبادة الجماعية ، و من المعروف أن محكمة العدل الدولية تفصل في المنازعات القائمة بين الدول ، و ليس للأفراد الطبيعيين الحق في توجيه الطلبات إليها أو التقاضي أمامها . و قد جاء نص المادة 9 على النحو التالي : " تعرض على محكمة العدل الدولية بناء على طلب أي من الأطراف المتنازعة ، النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية ، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة ما عن إبادة جماعية ، أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة " . و تجدر الإشارة أن جريمة الإبادة الجماعية و التي تبين من خلال المناطق التي ارتكبت فيها الارتفاع الكبير في عدد الضحايا الذين يقعون نتيجة لها ، بالنظر إلى أنها تهدف إلى إهلاك جماعات سكانية معينة عن آخرها أو القضاء على جزء منها كان من الممكن أن تشكل الاتفاقية الخاصة بها فرصة لإعطاء تعريف واضح و شامل لضحايا الجرائم الدولية و الاعتراف لهم بالمزيد من الحقوق . و رغم أن هذه الاتفاقيات وضعت أساسا لحماية فئات مختلفة من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني ، إضافة لتوجيهها دعوة عامة للدول المتعاقدة باتخاذ التدابير المناسبة لفرض عقوبات جزائية على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة- المادة 1 من الاتفاقية الأولى( اتفاقيات جنيف الأربعة في سنة1949 )، المادة 50 من الاتفاقية الثانية ، المادة 129 من الاتفاقية الثالثة و المادة 146 من الاتفاقية الرابعة - فهي لم تنص على حق الضحايا في تلقي التعويضات أو حقهم في ملاحقة المجرمين قضائيا ، كما أنها لم تتحدث عن أي دور لهم في الإجراءات القضائية المتعلقة بإثبات المسؤولية الجنائية و المطالبة بالتعويضات . و إذا كان من الممكن أن يفسر تعبير " العقوبات الناجعة " - اتفاقية منع جريمة الإبادةالجماعية -على أنه قد يشمل أيضا الحكم بتعويضات لضحايا الجرائم الدولية ، إلا أن عدم الإشارة الصريحة إلى هذه الفئة في نصوص الاتفاقية ,أن مركز ضحايا الجرائم الدولية لم يعرف أي تطور بموجب أحكام هذه الاتفاقية . إن المقصود بالمركز القانوني لضحايا الجرائم الدولية هو مكانة الضحايا و دورهم في الإجراءات القضائية الخاصة بمحاكمة المسئولين عن ارتكاب الجرائم الدولية التي وقعوا ضحيتها ، إذ يقع على كل دولة واجب قانوني لتوفير سبل الانصاف للضحايا باعتباره واجبا ملازما للواجب العام في حماية حقوق الإنسان ، كما يقع الالتزام نفسه على المجتمع الدولي بحكم الأبعاد الدولية للآثار الناجمة عن ارتكاب الجرائم الدولية . و قد أثبتت الممارسة العملية أن الاحترام الفعال لحقوق الإنسان لا يمكن أن يتحقق بصورة كافية دون وجود ضمانات قضائية ، منها حق ضحايا الجرائم الدولية في اللجوء إلى المحاكم الجنائية الدولية ، و إلا ظلت الحقوق التي تكرسها المواثيق الدولية الجنائية و دساتير و قوانين الدول مجرد حبر على ورق. و إذا أخذنا بعين الاعتبار خصوصيات كل من القانون الدولي الجنائي و القوانين الوطنية و الفارق الموجود بينهما نظرا لعوامل مختلفة ، كأسبقية الظهور من حيث الزمن أو اختلاف طرق نشأة القاعدة القانونية ، نجد أنه ليس من الغريب أن يتأخر القانون الدولي الجنائي في الاعتراف بحقوق ضحايا الجرائم الدولية مقارنة بالقوانين الوطنية . إذ تعترف اغلب التشريعات الوطنية بحق ضحايا الجرائم الدولية في اللجوء إلى القضاء الوطني ، عن طريق تقديم الشكاوى و المطالبة بالتعويضات ، في حين أهملت حقوق ضحايا الجرائم الدولية أمام المحاكم الجنائية الدولية لفترات زمنية طويلة نسبيا ، إذا ما قورنت بتاريخ بداية المحاكمات الجنائية الدولية . دون تمكين ضحايا هذه الجرائم من استيفاء حقوقهم ، و هي تتراوح في ذلك ما بين مسائل تتعلق بالاختصاص و أخرى بالإجراءات ، و لا يزال البعض من هذه المسائل يشكل عائقا فعليا أمام تحقيق العدالة لصالح ضحايا الجرائم الدولية و هذا على الرغم من الجهود الدولية التي بذلت من أجل وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب و تمكين ضحايا الجرائم الدولية تبعا لذلك من استيفاء حقوقهم التي أقرها القانون الدولي الجنائي. و لم يعد القانون الدولي الجنائي يقتصر على حماية المصالح الدولية فحسب ، بل توسع ليحمي حقوق الإنسان وقت الحرب و السلم ، خاصة بعد أن اعترف للفرد بصفته شخصا من أشخاص القانون الدولي لكونه يشكل موضوعه و غرضه . و لقد أبرزت محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية غداة الحرب العالمية الثانية مبدءا هاما ، يتمثل في كون العرف الدولي قد نما إلى درجة أمكن معها متابعة و معاقبة مرتكبي الجرائم الدولية على أساس قانوني ، كما بينت هذه المحاكمات ضرورة تدوين قانون دولي جنائي يبين الجرائم الدولية ، حيث يحدد بوضوح نوعها و طبيعتها و أركانها و أساسها القانوني الذي يحدد المسؤولية الجنائية للفرد في حالة مخالفته القاعدة القانونية . و كان ضروريا بالنسبة للمجتمع الدولي إنشاء هيئة قضائية جنائية دولية تطبق القواعد القانونية الدولية الخاصة بالجرائم الدولية و تضعها موضع التنفيذ ، و إيقاع الجزاء بحق من ينتهك هذه القواعد و التي تحظر ارتكاب الجرائم الدولية و تعاقب على ارتكابها ، و غني عن البيان أنه لا قيمة و لا جدوى من القواعد القانونية مهما كان نوعها و عددها ما لم يتوفر لها جهاز فعال يضمن تنفيذها ، و بخلاف ذلك فلا معنى لهذه القواعد القانونية . و لقد سعت الأنظمة الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة إلى تكريس ما جاءت به الاتفاقيات الدولية من حيث تقنين الجرائم الدولية و تعريفها و شرح أركانها و عناصرها ، و قد تمثلت هذه الاتفاقيات الدولية في قانون لاهاي باتفاقياته المختلفة لسنة 1899 و 1907 و قانون جنيف باتفاقياته الأربعة إضافة إلى البروتوكولين الإضافيين الملحقين بها و اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية و المعاقبة عليها لسنة 1948 و غيرها من الاتفاقيات الدولية ..و على ما يبدوا ، فإن آلية التقنين أتت بثمارها ، فما كان مقننا في الاتفاقيات المشار إليها قنن في نص واحد اتسم بقدر كبير من الدقة و الشمولية ، و قد قام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية و بدرجة أقل الأنظمة الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة و قبلها اللوائح الخاصة بالمحاكم العسكرية الدولية بتفعيل كل الاتفاقيات الدولية التي حكمت مجال تعريف الجرائم الدولية ، و بيان أركانها و قواعدها و عناصرها. حيث تم إدراج اغلب القواعد المنصوص عليها في الاتفاقيات المتعلقة بالجرائم الدولية و حماية ضحايا الجرائم الدولية ، مما سمح لها بالاستفادة من كل القواعد القانونية التي تحكم المسؤولية الجنائية الدولية بشكل مباشر ، و لقد سمح إدراج كل تلك الاتفاقيات السابقة في الأنظمة الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة و الدائمة و لوائح المحاكم العسكرية الدولية بالتصدي لكل من يخرقها . إن الجمع بين مختلف النصوص القانونية التي تحكم تعريف الجرائم الدولية و توضيح أركانها و عناصرها ، و الذي لجأ إليه واضعو لوائح المحاكم العسكرية الدولية و الأنظمة الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة و الدائمة لا يعني بالضرورة استعادة هذه النصوص و تفصيلها و توضيحها فقط ، و إنما يشمل أيضا إضافة و تعديل التعاريف و الأركان و العناصر المكونة لهذه الجرائم الدولية ، و تطوير هذا التقنين الدولي الجنائي من خلال الإقصاء و التعديل و إدراج كل التنقيحات اللازمة . و لقد حددت الفقرة 1 من المادة 5 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص هذه الأخيرة بصفة حصرية في المتابعة على أخطر الجرائم الدولية ، و هي جريمة الإبادة الجماعية ، الجرائم ضد الإنسانية ، جرائم الحرب و جريمة العدوان و قد اكتفي في النظام الأساسي هذه الجرائم الأربع التي تحقق الإجماع حولها خلال مفاوضات و جريمة العدوان و قد اكتفي في نظام روما الأساسي ، و ذلك بالنظر إلى خطورتها العالية ، خاصة الشكل و الحجم الذين ظهرت ما في العقد الأخير من القرن العشرين في مناطق متفرقة من العالم كالبوسنة و الهرسك و رواندا ، و هو بمثابة حد أدنى من الاختصاص ينبغي أن يمنح لأي محكمة جنائية دولية دائمة يراد منها أن تكون ضمانا لتحقيق العدالة الدولية خاصة لفئة الضحايا . إن اقتصار نظام روما الأساسي على الجرائم الدولية الأربعة الواردة في المادة 5 لا يعني أنها كانت الوحيدة في جدول أعمال مفاوضات روما التي سعت من خلالها بعض الدول إلى توسيع اختصاص المحكمة ليشمل جرائم أخرى كالإرهاب الذي تعذر الوصول إلى تعريف مقبول له ، إضافة إلى معارضة الدول الكبرى لإدراجه ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بحجة ضمان فعاليتها بعدم إدخال تلك الجرائم و الاكتفاء بالقضاء الوطني في محاربتها ، إلى أن تم التوصل إلى حل وسط بناء على مبادرة تركية ضمن القرار و الذي أكد على قلق المجتمع الدولي من الخطورة الشديدة التي تمثلها الأعمال الإرهابية أيا كان مرتكبوها و مكان ارتكابها ، و أيا كانت أشكالها و أساليبها أو دوافعها ، و مع ذلك فإن إمكانية تعديل قائمة الجرائم الدولية المدرجة ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفقا لآليات استعراض النظام الأساسي أمر ممكن قد يشمل أي من الجرائم الدولية المعروفة ، إذا تحققت فيها شروط الجرائم الواردة في المادة 5 من نظام روما الأساسي . حيث تنص المادة 123 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على مايلي : " بعد انقضاء سبع سنوات على بدء نفاذ هذا النظام الأساسي ، يعقد الأمين العام للأمم المتحدة مؤتمرا استعراضيا للدول الأطراف للنظر في أية تعديلات على هذا النظام الأساسي ، و يجوز أن يشمل الاستعراض قائمة الجرائم الواردة في المادة 5 دون أن يقتصر عليها و يكون هذا المؤتمر مفتوحا للمشاركين في جمعية الدول الأطراف و بنفس الشروط . و قد تم استبعاد الكثير من الجرائم من اختصاص المحكمة لعوامل مختلفة ، بعضها يكتسي طابعا عمليا يهدف إلى تفادي إغراق المحكمة الجنائية الدولية بكثرة القضايا التي يمكن أن تعرض عليها نتيجة تعدد الجرائم التي تندرج ضمن اختصاصها ، في حين ترتبط عوامل أخرى بطبيعة الجرائم المراد المتابعة عنها ، فإذا نظرنا إلى طبيعة الجرائم الواردة في المادة 5 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، نجد أن القاسم المشترك فيما بينها هو درجة خطورتها العالية كونها تمثل تهديدا حقيقيا للسلم و الأمن في العالم ، جعلها تعرف أساسا تحت تسمية " أخطر الجرائم الدولية " . و على الرغم من الفارق الكبير في درجة الخطورة التي تميز أخطر الجرائم الدولية الواردة في المادة 5 عن بقية الجرائم الدولية ، فهي ليست وحدها التي تخلف الضحايا و تسبب لهم الكثير من المآسي ، و مع ذلك فحقوق الضحايا أمام المحكمة الجنائية الدولية ترتبط فقط بالجرائم الأولى إلى حين تعديل المادة 5 و ما يمكن أن تحتويه من جرائم جديدة لتوسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية . و تجدر الإشارة إلى أن اللجنة التحضيرية الخاصة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية قد أشارت في المادة 5 من مسودة نظام المحكمة إلى سبعة من الجرائم الدولية الخطيرة ، فإضافة إلى الجرائم الأربعة المتمثلة في الإبادة الجماعية ، الجرائم ضد الإنسانية ، جرائم الحرب و جريمة العدوان ، ذكرت المسودة جرائم الإرهاب ، الجرائم المرتكبة ضد موظفي الأمم المتحدة و الأفراد المرتبطين بها ، الجرائم التي تنطوي على اتجار غير مشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية ، و التي لم يكن لدى اللجنة الوقت الكافي لدراستها بذات الدرجة من العمق التي تناولت الجرائم الدولية الأربعة. و كانت الدول العربية قد اتفقت قبل مؤتمر روما الدبلوماسي على عدم الموافقة على إدراج جريمة الإرهاب في النظام الأساسي للمحكمة ، و على السعي في حال تم الإصرار على إدراجها إلى التنسيق مع المجموعات الأخرى للأخذ بما جاء في تعريف الإرهاب و الجريمة الإرهابية الواردتين في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب إضافة لعدم رغبة العديد من الدول في السماح للمحكمة الجنائية الدولية بممارسة اختصاصها على هذا النوع من الجرائم ، ليبقى للقضاء الوطي صلاحية الاضطلاع بالمحاكمة عنها عن طريق تعاون الدول فيما بينها من خلال اتفاقيات تبرم بهذا الخصوص ، إضافة للاعتماد على الاختصاص العالمي في النظر فيها . و لا شك أن هناك تعريفات مختلفة لهذه الجرائم الدولية تبعا لاختلاف و تعدد اللوائح و الأنظمة الأساسية لأجهزة العدالة الجنائية الدولية. إن من أهم الضمانات التي كفلها القانون الدولي الجنائي لضمان استيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية هو اعتماد مبدأ التكامل في الاختصاص بين القضاء الوطني و القضاء الجنائي الدولي و ذلك كوسيلة لتعزيز الجهود الرامية لوضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب ، و هو ما يشكل فرصة إضافية للضحايا في الحصول على العدالة في حالة عدم رغبة أو عدم قدرة القضاء الوطني على إجراء المحاكمة ، حتى لا تضيع حقوق الضحايا أمام المناورات و غياب الاستقلالية و النزاهة من القضاء الوطني . و تيسيرا لحسن تطبيق مبدأ التكامل في الاختصاص ضبط القانون الدولي الجنائي بعض المسائل المرتبطة به و ذلك من خلال إقرار بعض المبادئ و القواعد الجنائية ، و من بين هذه المبادئ و القواعد مبدأ عدم جواز المحاكمة عن الجريمة ذاتها مرتين ، و مبدأ التطبيق الوطني للعقوبات ، و مبدأ انعقاد مسؤولية الرؤساء و المرؤوسين ، و مبدأ المساواة في العقوبة لكل المساهمين في ارتكاب الجرائم الدولية ، مما جعلها تتلاءم و تدعم تطبيق مبدأ التكامل في الاختصاص بدل أن تكون عقبة في وجه تطبيقه. و لم يقتصر تعزيز القانون الدولي الجنائي لمسار استيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية على الضمانات في مجال الاختصاص ، بل تعداها إلى تجسيد و ترسيخ الضمانات في المجال الإجرائي ، و التي تتمثل أساسا في تفعيل آليات تحريك الدعوى ، ذلك أن الجرائم الدولية من الخطورة بمكان ، مما ينبغي معها أن يكون تحريك الدعوى غير محصور بجهة معينة ، فكان من الضروري عدم حصر هذا الحق و احتكاره في جهة محددة قد تتعسف في استعماله مع ما يترتب عن ذلك من تقويض للجهود الدولية لاستيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية . و هكذا فقد تعددت جهات تحريك الدعوى ، فشملت إلى جانب الدول كلا من المدعي العام و مجلس الأمن مع منح المدعي العام استقلالية و صلاحيات واسعة لتأمين مرجع فعال يطالب بحقوق الضحايا و يحول دون تقويض العدالة الجنائية الدولية عند امتناع مجلس الأمن أو الدول عن التحرك لأسباب سياسية ، و هذه السلطات الواسعة و الاستقلالية التي يتمتع بها المدعي العام بلغت درجة الإشراف و الرقابة على نظام الإدعاء الجنائي الوطني ، و هو ما يعتبر ضمانة أخرى مهمة لصالح استيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية . إن إشراك مجلس الأمن في آلية تحريك الدعوى أمام القضاء الجنائي الدولي عن طريق منحه حق الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية - و إن كان هذا يمنحه أيضا سلطة " الفيتو " على اختصاص القضاء الجنائي الدولي ضمن حدود الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة - يوسع من جهة أخرى نطاق الملاحقة أمام القضاء الجنائي الدولي ، و ذلك بتحرير هذه الأخيرة من صلات الإقليم و الجنسية بالنسبة لمرتكبي الجرائم الدولية أو الانضمام و القبول بالنسبة للدول في علاقتها مع اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية . كما سعى القانون الدولي الجنائي إلى تفعيل الضمانات الإجرائية التي تكفل استيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية ، و من بين هذه الضمانات الإجرائية استبعاد استيفاء الشروط المسبقة في حالة قيام مجلس الأمن بالإحالة ، حيث اعتبر مجلس الأمن المصدر الأكثر ثقة ، و عليه فلا يترتب إبلاغ الدول المعنية بالجرائم الدولية المرتكبة و لا يصار إلى استصدار إذن بالتحقيق ، بل تتبع إجراءات مستعجلة تقتضي البدء بالتحقيق مباشرة و من دون أي تدابير تمهيدية قد تكون عائقا ، و هو ما تجسد في قرار مجلس الأمن رقم 1973 الخاص بإحالة قضية الجرائم الدولية التي ارتكبها نظام " العقيد القذافي " ضد المدنيين الليبيين إلى القضاء الجنائي الدولي . و من بين الضمانات الإجرائية الأخرى التي أرساها القانون الدولي الجنائي لتمكين ضحايا الجرائم الدولية من استيفاء حقوقهم تكريس مجموعة من المبادئ و القواعد الإجرائية المتعلقة بصفة خاصة بالمتهم الذي ارتكب الجريمة أو الجرائم الدولية محل المتابعة ، و التي بتفعيلها يضمن مساءلة مرتكبي الجرائم الدولية و عدم إفلاتهم من العقاب ، و في الوقت نفسه ضمان استيفاء حقوق الضحايا كتحصيل لانعقاد المحاكمة التي لطالما عرقلها عدم تفعيل بعض القواعد الإجرائية . و من أبرز هذه المبادئ و القواعد الإجرائية التي حرص القانون الدولي الجنائي على تجسيدها كضمانات مبدأ عدم تقادم الجرائم الدولية ، مبدأ عدم جواز العفو عن مرتكبي الجرائم الدولية ، مبدأ عدم الاعتداد بالصفة الرسمية لمرتكبي الجرائم الدولية ، مبدأ سيادة الضمير على واجب الطاعة لأوامر الرؤساء ، و مبدأ التعاون الدولي في تعقب و اعتقال و تسليم و محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية ، حيث أصبح من غير المقبول أن يسمح لمرتكبي الجرائم الدولية أن يتذرعوا بالتقادم أو العفو أو الصفة الرسمية أو أمر الرئيس الأعلى أو سيادة الدولة لتفادي تحمل المسؤولية الجنائية عن تلك الجرائم الدولية ، و ذلك لكونها عقبات تحول دون إجراء المحاكمة التي يستفيد منها ضحايا الجرائم الدولية في استيفاء حقوقهم . و إضافة لذلك حرص القانون الدولي الجنائي على تكريس مبدأ التعاون الدولي الإجرائي ، حيث أثبتت الممارسة العملية الحاجة الملحة و الماسة إلى إيجاد آليات فعالة لتعزيز التعاون الدولي من أجل ضمان تطبيق أحكام القانون الدولي الجنائي فيما يتعلق بمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية و تمكين ضحايا هذه الجرائم من استيفاء حقوقهم و من أهم المجالات التي يرتكز حولها التعاون الدولي في هذا الإطار تعقب و اعتقال و تسليم و معاقبة مرتكبي تلك الجرائم و عدم منحهم حق اللجوء ، إضافة للتعاون في مجال التحقيق و الاعتراف بأحكام و قرارات أجهزة العدالة الجنائية الدولية و التعاون في تنفيذ العقوبات الصادرة عنها ، و قد عزز القانون الدولي الجنائي مجال التعاون الدولي أكثر من خلال منح مجلس الأمن دورا فعالا في ضمان الامتثال لطلبات التعاون مما يعزز احتمالات استيفاء ضحايا الجرائم الدولية لحقوقهم . و رغم ما يحمله التقدم المحرز على المستويين الوطني و الدولي من إيجابيات في مسعى الاعتراف بمركز قانوني لضحايا الجرائم الدولية يضمن لهم مجالا أوسع للمشاركة في مختلف مراحل الدعوى القضائية ، إلا أن ذلك قد يكون غير كاف في حالات معينة من أجل تحقيق الغاية الأساسية المتمثلة في ضمان استيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية . فقد لا يكفي في بعض الأحيان الاعتراف بحق الضحايا في تقديم المعلومات بخصوص ارتكاب جرائم دولية معينة لحصولهم على العدالة رغم أهمية هذا الحق في إثارة انتباه الجهات المكلفة بفتح التحقيق و اتخاذ قرار المتابعة ، كما قد لا يفي بالغرض نفسه الاعتراف بحقوق ضحايا الجرائم الدولية في المشاركة في الإجراءات أو الحق في الحماية و رد الحقوق و جبر الضرر و غيرها من الحقوق التي قد لا تجد طريقا لتجسيدها ، و السبب في ذلك مجموعة من العقبات و الثغرات القانونية في القانون الدولي الجنائي تحول دون إجراء المحاكمة التي يستفيد منها الضحايا . إن بعض الثغرات في نصوص القانون الدولي الجنائي تم استغلالها بسوء نية لتغدو رخصة للإفلات من العقاب أمام القضاء الجنائي الدولي و تحول دون مباشرة القضاء الجنائي الدولي لوظيفته التكاملية المتمثلة في انعقاد الاختصاص للقضاء الجنائي الدولي لمحاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم الدولية و تمكين ضحايا هذه الأخيرة من استيفاء حقوقهم عندما لا يستطيع القضاء الوطني للدول القيام بتلك المحاكمات أو لا يرغب فيها ، و قد أصبحت تلك الثغرات و النقص بعد استغلالها من طرف الدول الرافضة للعدالة الجنائية الدولية بمثابة العقبات في وجه تنفيذ طلبات التعاون التي يصدرها القضاء الجنائي الدولي .
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
اخبار العراق اليوم تصلكم بكل وضوح بواسطة العراق تايمز