الصديق حامد كعيد الجبوري ليس شاعرا شعبيا فحسب، بل هو مرجع شعبي، وعليه أستند حين أسرد أن فراتيا عشق امرأة من ديرته وبادلته هي الشعور الجميل نفسه، وكان لهما أكثر من لقاء بريء في البساتين المتطرفة، وأقسما على ان لا يترك أحدهما الآخر مهما كانت الظروف، ولمرات عديدة خطبها ولم تحصل موافقة أهلها على الزواج، وحتى لما تدخل السادة ووجوه القوم وشيوخ العشائر، لم يلن أبوها بل نكاية زوّجها لأحد أقاربه.
مرّت سنوات بعد سنوات، وفي أحد الأيام كانت الفتاة تتبضع في سوق الولاية فإذا هي أمام محل عاشقها، وكان بزّازا، فافتعلتْ سببا للتوقف ووقفت أمامه وسألته عن قماش "الكودري" وألوانه الموجودة، وأطالت معه الحديث وهو بعد لم يتعرف عليها، فاستهجنت موقفه وثارت ثائرتها وأنشأت تقول:
اهنا يمن چنه وچنت
جينه اوكفنه ابابك
ولف الجهل ما ينسي
اشمالك نسيت أحبابك
وصعق العاشق فصفق بيده ندما وأراد الاعتذار إلا انها مسرعة تركت المحل واختفت بين الناس في السوق القديم.
وأخذ الشعراء هذا المستهل الفخم وكتبوا وأكملوا وتباروا، ولكن أفضلهم كان الشاعر محمد آل جبار وهو شيخ عشيرة آل إبراهيم المتواجدة في ريف قضاء المشخاب، الذي انتبذ في ما بعد بغداد وسكن في منطقة الكاظمية وافتتح فندقاً لإيواء المسافرين.
ومعلوم ان هذه القصيدة التي هي على وزن المجرشة، وقد عارضها كثير من الشعراء وكتب على غرارها الكثير أيضا، وأغلب ذلك مدون في المجموعة الكاملة من فنون الأدب الشعبي للباحث علي الخاقاني، وقد ملأت القصيدة شهرتها الآفاق بعد أن غناها أو قل نزفها المطرب داخل حسن.
وما هيّج المشاعر وذكّرني بهذه القصيدة أني شاهدت بهلول ـ في الليلة الماطرة ـ وهو يغادر خيمة الاعتصام المدني ويقف قبالة الكونكريت العظيم وتحت المطر الرشاش.. يقف ويخاطب رئيس الكابينة الخضراء معاتبا ومترنّما ومصدّحا بأنين موجع:
اهنا يمن چنه وچنت
جينه اوكفنه ابابك
غلطة عمر ما تنسي
اشمالك نسيت الجابك
مقالات اخرى للكاتب