بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق اجمعين محمد واله الطاهرين
من اهم الخطابات الموسمية المميزة والتي تنتظرها الجماهير الواعية والمتابعة بشغف وتقرأها بتأمل وتنظر لها بأهتمام بالغ هي الخطابات التي يلقيها سماحته على الجماهير المؤمنة الزاحفة الى حضرة امير المؤمنين(عليه السلام) لإحياء ذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام حسب الرواية الثالثة في الثالث من جمادى الاخرة لتشييعها رمزيا جهارا نهارا بعد ما دفنت سرا ليلا في شعيرة مباركة دعا اليها سماحته ولبت الدعوى الجماهير المباركة.
ففي كل موسم من مواسم هذه الزيارة المباركة ننتظر من سماحته ان يبين لنا دور من ادوار الصديقة الطاهرة ينقل لنا التجربة التاريخية ليلامس مشاكلنا الحالية لنعرف من الزهراء(عليها السلام )علل هذه المشكلة واسبابها وطرق علاجها.
وفي الذكرى الاخيرة لهذه المناسبة المؤلمة لعام 1434 هجرية ،طل علينا سماحته ليلقي علينا خطابا قيما يحمل في طياته دروسا كبيرة كل منها يفتح لنا باب ننفذ منه الى الف باب.
أحاول بما يسمح به وقتي ومستوى استيعابي ان اكتب ما يمكن ان نأخذه من دروس مباركة قد تصل الى اربعة عشر درسا او اكثر تضمنها هذا الخطاب الشريف.
الدرس الاول: نأخذه من عنوان الخطاب الرئيسي "الصديقة الطاهرة (عليها السلام) تحمل هذا الدين وتحميه"،فهو يبين دور من ادوار الصديقة الطاهرة يضاف الى ما بينه العلماء الاعلام ومنهم سماحة الشيخ المرجع اليعقوبي في هذه المناسبة في السنوات الماضية وفي خطاباته الاخرى وكلماته ،مما يعلمنا درسا مهما مفاده ان لا نقف عند فهما واحدا لسلوك او افعال واقوال المعصومين (عليهم السلام) لانهم حكماء والحكيم يتوقع منه مقاصد و غايات عديدة في فعل واحد فكيف لو كانت دراستنا حول حياة المعصوم بكل افعالها و اقوالها فأن الغايات والدروس ستكون كثيرة وكبيرة خصوصا اذا علمنا ان الباحث مهما علا فلا يمكن له ان يحيط بمن وصفه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "يا علي لا يعرفك الا الله وانا" فلا يمكن الاحاطة التامة بكل مقاصدهم ولكن علينا ان نتعامل مهم وفق قانون "ولكم في رسول الله اسوة حسنة" التي تفتح لنا المجال بمحاولة فهم ما يمكن فهمه من الدروس والعبر وفق القرائن الواضحة والتي ارادوا بها سلام الله عليهم ان يهدونا لمقاصدهم الشريفة.
وقد يثار هنا اشكال بانك ذكرت عدم امكانية فهم مقاصدهم والان تقول علينا ان نأخذ الدروس من حياتهم الامر الذي يحتاج الى فهم مقاصدهم المنفي بحسب قبل قليل؟؟!! فكيف يتم ذلك؟
اقول ان المنفي هو الاحاطة التامة والكاملة لكل مقاصدهم وهذا صحيح ،فأن كل ما يصدر منهم يحمل عدة مستويات من المقاصد جميعها صحيحة (بحسب ما يصدر منهم لا بحسب فهمنا فأن فهمنا قابل للخطأ والصواب) والمنفي عن المعرفة هو الاحاطة بكل هذه المستويات والمطلوب منا ان نعرف ما يمكن معرفته منها ،ولتفصيل هذا المعنى يمكن مراجعة مقدمة كتاب منة المنان "الجزء الاول" للسيد الشهيد الصدر الثاني في تعريفه للأطروحة.
الدرس الثاني: ولأجل فهم مقاصد افعالهم الكريمة علينا ننهج منهجاً صحيحا لذلك، ومن هنا تحتاج العلوم الاسلامية الى تطوير واستحداث علوم اخرى تهتم لوضع قواعد لدراسة مختلف ابعاد سلوك الائمة عليهم السلام واقوالهم ولا تقتصر على علم الاصول والفقه المختصات بدراسة السلوك والاقوال الفقهية اي المختصة في استنباط الحكم الفقهي بينما نحن نحتاج الى قواعد لفهم سلوكهم واقوالهم الاجتماعية والسياسية والمعرفية والغيبية والتوحيدية والعقائدية وما الى ذلك ،ولقد كتبت بحثا منذ اكثر من سنتين كمحاولة لوضع قواعد فهم مقاماتهم واقوالهم وافعالهم وسلوكهم المعرفي ولم اوفق لنشره لحد الان.
ان من افضل المناهج لدراسة وفهم افعال واقوال المعصومين عليهم السلام هو البحث في نفس كلامهم لفهمهم وفهم افعالهم ،فهم افضل من يعرف نفسهم ،وهذا ما انتهجه سماحة الشيخ المرجع اليعقوبي في خطابه الفاطمي الذي نحاول ان نستقي منه هذه الدروس ،حيث بدأ بحديث مروي عن الامام الصادق عليه السلام وانطلق منه لفهم دور من ادوار الصديقة الطاهرة عليها السلام وهو (يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين و تحريف الغالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد). فهذا درسا منهجيا رائعا من هذا الخطاب الرائع علينا ان نفهمه جيدا .
الدرس الثالث: ان اختيار سماحة الشيخ حفظه الله لهذا الدور الفاطمي ليس ترفا فكريا او ابداعا تحليليا محضا ،انما جاء هذا الاختيار ليضع اليد على مشكلة معاصرة يعاني منها جسد الامة الاسلامية وفي هذا درسا للمفكرين والكتاب والخطباء والعلماء ان لا يخوضوا في احاديث افتراضية او تاريخية محضة لا تلامس الواقع وهمومه وسبل تقدمة وتنشغل بالتفكير غير العملي و تشغل ذهن المتلقي وتضيع وقته بمؤلفات كبيرة نصفها لا ينفع حياتيا،ولعمري ان هذه السمة من اهم سمات مؤلفات سماحة الشيخ اليعقوبي وكلماته المختلفة ،فتراه لا يكتب الا ما ينفع الناس لبناء شخصيتهم ويكملهم ويهمهم في ايجاد حلول لمشاكلهم العقائدية والفكرية والاجتماعية وبشكل مختصر مفيد،بل ان هذا المنهج نراه حتى في طرحه الفقهي السلس الواضح كما في البحث الخارج الذي يلقيه وحذفه للموضوعات التي لافائدة عملية معاصرة من طرحها بمقابل اضافته ابحاثا بكرا جديدة ضرورية لحياة المسلمين ،على الرغم من ان هذا الامر كلفه كثيرا من سمعته كمفكر بارع وفقيه مجدد بسبب الذوق الشرقي المراهق الذي يتحلى به اكثر الشرقيين بالاعجاب بالافكار الغريبة والالفاظ والمصطلحات المزوقة والمؤلفات الكبيرة حجما ،ولكنه لم يغير منهجه منذ عرفناه لانه يحمل هم الرسالة وناكرا لذاته ولا يرغب غير رضا الله عزوجل واوليائه عليه.
الدرس الرابع: ماهي النقطة التي عرضها الحديث الشريف المروي عن الامام الصادق عليه السلام والذي استفا منه سماحة الشيخ ليأخذ منها درسا من حياة الصديقة الطاهرة لينفعنا في حياتنا المعاصرة؟؟؟ هذا ما سنكمله في الحلقة القادمة بحول الله وقوته ومشيئته.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق اجمعين محمد واله الطاهرين
18جمادى الاخرة1434هجرية
29نيسان2013ميلادية