هناك من يقرع الطبول ، هل تسمعون معي اصوات قرع الطبول ؟.. بغض النظر عن طبيعة الطبّال والطبل ، هناك قرع لطبول فتنة طائفية وشيكة في العراق ..القارعون على الطبل هذه المرة مكشوفون بعد أن كان البعض منهم يقرع من خلف الحجب تقية وليس استحياء . لكن مكمن الخطورة هذه المرة في استثارة الشارع الغاضب واستدراجه للفتنة وهو الذي كان عصيّا على الولوج في مخططهم الطائفي والفئوي .
اسباب الفتنة هذه المرة فهلوية السيد المالكي السياسية وماتعلمه من جوقة القادة الفاشلين المحيطين به من تعابير عسكرية . فقد تعلم المالكي ان الحرب خدعة ، فأخذ يمارس خدعه والاعيبه على طول وعرض ساحة الوطن ، ولكن ليس على طريقة النبي محمد او المفكر " كلاوزفيتزة " وانما على طريقة باعة البسطات السياسية وبضائع الارصفة عند مقامات واضرحة الاولياء الصالحين ، فقد تمرّس هو و" اركان " جيوش المستشارين والمعاونين والطبا لين والهاتفين باسمه المبجل بتجارة بيع " الودع " و " الوهم " للمؤمنين الغلابى الذين يتعلقون بقشة أمل على امل اصلاح الحال . فهو ومن يمثلهم يريدون الحفاظ على وحدة العراق من خلال تذكية الانقسامات والاحقاد بين الناس على خلفيات طائفية وعرقية وحزبية وسياسة فرق تسد ، تماما على طريقة الاسلامويين الذين يريدون تحرير القدس عبر الدوحة واستمبول ، والاخرون الذي ساقوا الشباب لحتوفهم بوهم " الطريق الى كربلاء يمر عبر بغداد والبصرة " .
السيد رئيس الوزراء يتحول الى شخصية كرتونية بمشاهد وقفشات كوميدية ، ألم تروه في خطاباته يتصنع الجد والعظمة والحزم فهو يذوب بين ملح التصريحات بالضرب والحرب وبين سكر الوعود ، فصار مثل تمثال ملح يريد ان يسبح في نهر السياسة ، فكلما نزل الى الماء ذاب بعضه وتلاشت ملامحه وتضاءل حجمه في حين تبخر سكر الوعود بمشاهد الدماء المسفوكة على الارض بيد جيش الوطن الجديد الذي لم نشاهد له اية ملاحم جهاد في الذوذ عن الوطن وردع الطامعين الغرباء الا ملاحم " صولات الفرسان " وملاحم الفلوجة والزركة واخرها ملحمة الحويجة الهالكة ، فيما ينسحب من امام قوات البشمركة التي تستمر في تقدمها وفق المخطط المرسوم لبناء كردستان على ارض نصف العراق، وايران التي تستولي على الابار النفطية الحدودية ولكويت العظمى التي سلمنا لها ام قصر وتحتل ابارنا النفطية، قيما السيد المالكي مازال غائبا عن الواقع لانه منشغل بتمثيل شخصية مختار العصر والقصاص ولو بعد 1400 سنة من قتلة الحسين مع ان القضية اغلقت جنائيا وقيدت ضد مجهول معروف النسب والحسب ويجري التكتم عليه خشية الفتنة الداخلية.
في المؤتمر الدولي للحوار والتقريب بين المذاهب في 26 نيسان ، يحذرنا السيد المالكي " من مخاطر الطائفية التي سرعان ماتتحول الى عملية تقسيم وتمزيق للبلدان الاسلامية على خلفيات سياسية " ، مطالبا السياسيين " بعدم جر صراعاتهم الى ابناء الامة وان يدعوها تعيش وحدتها او اختلافها في القضايا السياسية دون ان يتحول ذلك الى تحريض على الفتنة " . ويزيد " نريد احترام الهوية الوطنية التي تؤكد انتماء المواطن الى بلده وان يبقى انتماءه لدينه له وهو حر فيه ".
ياسلام على هذا الاكتشاف الكبير وعلى هذه الدعوة الصادقة التي لو اتبعتها طوال فترة حكمك التي تجاوزت 7 سنين لكان العراق الان ينافس الامارات وماليزيا في التقدم والرفاه ، وقد احتاج المرحوم عبد الكريم قاسم اكثر قليلا من نصف هذه المدة لتغيير وجه العراق الحضاري رغم صعوبة الظروف السياسية والاقتصادية حينها ، كما ان ما موجود من بناء الان في العراق كان قد تحقق فعليا من الفترة 1975 الى 1982 وهي انجازات اقتصادية واجتماعية وعلمية هائلة كان يمكن لو استمرت بنفس الوتيرة دون الولوج في تلك المغامرات الفاشلة ان نرى العراق في قائمة الدول الصناعية العشرين في العرالم ... لكن يظهر ان مشكلتنا تكمن في حكامنا الذين لا يقدرون عظمة معدن البلد والشعب الذ يحكمون ، فتشطح بهم الاهواء وجنون العظمة بعيدا عن السراط المستقيم.
اذن تكمن روح الدعابة في السيد المالكي (وهو الذي لم نره يوما مداعبا او باسما لكنه يملك قدرا كبيرا من الفكاهة في شخصيته التمثيلية وهنا يكون سر الممثل الكبير) من أنه يحذرنا من حرب طائفية يتضرر منها الجمع ، في حين أنه هو وهيئة اركانه السياسية والعسكرية التي تضم نخبة من ذوي العاهات والامراض النفسية والشخصيات الانغلاقية واللصوصية من يدفع البلد دفعا اليها بسلوكيات لا تمت الى رجال دولة وبقرارات متشنجة تفتقر للحس الستراتيجي وحتى لبعد النظر... وكأني بذلك اقول ينطبق على المالكي مقولة انه يقتل العراق يوميا فيما يبكي عليه في جنازته او أنه القائد الضرورة الذي يحفظ وحدة العراق ويتصدى للفتنة فيما يتقمص دور "مختار العصر" .... من هنا يصلح ان ندخل كل تصريحات المالكي العلنية (لان مايتسرب منها في الجلسات السرية مخيفة) في باب أخبار الملح والطرائف.
أن من يحذر للفتنة كيف له ان يعطي الذريعة للبعض من دعاة التقسيم والفتنة ؟ لا يمكن لحاكم وجوقة مسؤؤولين ان بنزلوا يوميا الى درك السب والشتم اليومي وتهديد الناس بالحرب ، فانتم لم تستطيعوا مغادرة كهوفكم الطائفية والفكرية التي ترعرعتم فيها ونهلتم من سمومها ولم تفهموا ان انتخابكم لموقع المسؤولية هو تفويض لاجل محدد في حين فسرتوه أنه امتلاك ابدي للبلاد والعباد ويحق لكم وفق ذلك مايقوله المثل العراقي "خط وخربط ".
عروض السيد المالكي وبلاغته الفكاهية تشبه هذيان رفيقه البليغ "الجعفري" في انها بلع هوا وبيع الوهم للناس . وذلك يذكرني بقصة الخليفة المامون مع أبي نؤاس نذكرها لتكون مسك ختام كلامنا للدلالة . فقد أراد المامون أن يكون بليغا فألقى قصيدة من نظمه في مجلسه وسأل الشاعر ابي نؤاس الحاضر : هل اعجبتك ؟ فرد الشاعر ببراءة الخبير لا المنافق : "لم أشم بها رائحة البلاغة يامولاي" . فغضب المامون ، وأسر الى حاجبه بحبس ابي نؤاس في زريبة الحمير والخيول والخراف بعد انفضاض المجلس . وبعد شهر من الحبس مع الحمير والخراف والخيل اطلق سراح الشاعر وتم احضاره الى مجلس الخليفة ثانية الذي بدأ بالقاء فصيدة جديدة ليرى ماسيكون رأي ابي نؤاس فيها . وقبل ان ينتهي الخليفة من شعره نهض ابو نؤاس وهم بالخروج ، فلمحه الخليفة وسأله " الى اين ياأبا نؤاس "؟ فاجاب الشاعر : " الى االزريبة يا أمير المؤمنين ".
خطابات السيد المالكي وائتلافه هي نفس حالة المامون وابي نؤاس ، فبعد تصريحاته وخطبه العصماء سنظطر ان نغادر الى الزريبة لان المشاهدة والاستماع الى عروض الحمير والخراف والماعز أفضل بلاغة من خطب اولياء الامر الجدد و التي لا تعدو ان تكون ثرثرة مكررة فارغة حتى وان غلفت ببلاغة كاذبة من السجع اللفظي فهي لا تتعدى الرطانة الثقيلة على السمع والفهم.
مشكلة السيد المالكي ورفاقه من كل الاطياف " المتحاربة والمتآلفة " انهم يريدون ان يحكموا ويوحدوا العراق من .... الزريبة . اما برنامج حكمهم ، ففيه بند واحد فقط : شد العصب الطائفي تربح ، مع تسخير الخطاب ووسائل الاعلام المنافقة لفبركة احداث وتشويه الوقائع مع آليات غسل الادمغة وقلب المفاهيم بشكل بدهي لينقاد البلد آليا الى التقسيم .... وحينها يتلطى الجميع خلف الوطنيات الزائفة ملقين بالاتهام على بعضهم البعض.
هذا هو كل برنامج خلية الزريبة السياسية ( الموازية لخلية الازمة السياسية عند ناس برة)، وبعد كل هذا التصعيد الممنهج والتخريب المحسوب لمقومات الوحدة الوطنية... تخاف ان يقع العراق في فتنة ؟ ..... تصورا
مقالات اخرى للكاتب