بالأمس كانت لأخبار العراق الاهمية والاولوية في النشرات الاخبارية لقناة الجزيرة (القطرية), بل أنها خصصت حلقة من حلقات برنامجها (ما وراء الخبر) لتناقش فيه اسباب وتداعيات قرار هيئة الاعلام والاتصالات العراقية الذي اقدمت من خلاله على تعليق تراخيص عمل عشرة قنوات فضائية وكانت الجزيرة واحدة منها, لكي تكون بعد ذلك القرار, هي وباقي القنوات التسعة بلا شرعية. العراق كعادته, عاش يومه وهو يستنشق رائحة البارود والدم وبقايا السيارات والاجساد البشرية المحترقة معاً. صور بشعة جداً ومؤثرة رسمت على المواقع الخبرية ووكالات الانباء مزيداً من ملامح الكآبة والشؤم, فكل الشبكات الاخبارية اليوم لا حديث لها إلا عن تلك الانفجارات التي ضربت المناطق الجنوبية من العراق. الديوانية كانت مستهل تلك العمليات الارهابية, لتفقد الشامية فراشتان جميلتان, حلّقت الاولى في سماء جامعة القادسية, اما الثانية فراحت ضحية محاولات يائسة لإبعاد تلك السيارة الملغومة بالموت عن رواد المطاعم الشعبية والمحلات التجارية. في العمارة في منطقة (قطاع 28) حيث يجتمع عمال النظافة هناك, وبالقرب من سوقٍ شعبي, يلملمون بقايا حياتهم بأجور زهيدة جداً, دفعوها قبل ان يتسلموها صباح اليوم, بعد انفجار سيارتين مفخختين بالقرب منهم. مرة اخرى, الوكالات والشبكات الاخبارية تتسابق من اجل ان تكون هي الاولى في نقل ما يجري بميسان. مقاطع فيديو حصرية لبعض الوكالات يتسارع انتشارها على صفحات الفيسبوك, كانت مؤلمة جداً وفاقت بشاعة اي مشاهد اخرى شاهدتها اليوم عبر تلك المواقع.
كربلاء والمحمودية ايضاً كان لها نصيب من القتلى والجرحى. المدائن هي الاخرى تعود لها ظاهرة الموت الهادئ.. الكاتم.. القناص, حيث يسقط فيها احد افراد قوات الامن كما تسقط الطيور من السماء بعد ان ترمى ببنادق الصيد.
كل ذلك لا يستوجب, ولا يؤخذ بعين الاعتبار, لتتكرم علينا الجزيرة القطرية باهتمامها بالشأن العراقي عبر نشراتها الاخبارية التي تجوب فيها بلدان العالم اليوم, وتبحث في ابعد نقطة على الارض لتغطي حدثاً لا يزيد اهمية عمّا يجري للشعب المنكوب هنا في العراق. لم يكن العتب هو الداعي من هذا الكلام, فلم يرجوا العراقيون يوماً من هذه القنوات اي اعتدال او مهنية, لأنها تمارس (التطفيف الاعلامي) بجدارة! .. ولأنها ايضاً مدعومة من قبل دول البترول التي تبحث عن سبل متعددة للتخلص من العراق.
لدي احساس قوي بأن قناة الجزيرة القطرية ومن يقف وراءها كانت تتابع اخبار العراق بشغف لحظة بلحظة, وربما كانت تحصي اعداد الذين يتساقطون في المناطق الجنوبية, وربما كانت تنتظر ذلك بعد ايام من تغطيتها لأحداث الحويجة والانبار ان تجني شيئاً من الثمار التي تساقطت اليوم, لان الخطاب الطائفي المتبع من قبلها كان له دور كبير في ايقاظ تلك الخلايا النائمة في بغداد والمحافظات الجنوبية, التي اشتاقت للشحن الطائفي, فليس من المنصف ان تعيش الانبار والحويجة احداثاً متسارعة من القتل والاشتباكات بين المعتصمين ورجال الجيش؛ دون ان تعيش المحافظات الجنوبية دور (الكبش) الذي سقط فريسة العنف الطائفي مع اهالي الغربية! لابد ان تكتمل الصورة, ونقنع الجميع ان اسلوب الضرب بيد من حديد على المناطق السنية كما تصوره القنوات الطائفية سوف ينتج لنا دماءاً و اشلاءاً مقطعة في المناطق الشيعية! وهذا جزء من مشروع قناة الجزيرة ومثيلاتها.. اذن كيف نطلب منها ان تكون حيادية ومهنية في نقل اخبار العراق وهي لا تعرف شيئاً عنهما, حقاً ان فاقد الشيء لا يعطيه؟!!
مقالات اخرى للكاتب