احترام الرأي فضيلة، ترفع صاحبها، وتزيده وقارا. واحترام الرأي المعارض من الآداب، التي تميّز القوي عن الضعيف، والمتحضّر عن المتخلف.
ومادامت العبادة لرب العالمين، فلماذا يُعبدُ شخص بذاته؟، ويهان غيره، ويسب ويشتم؟.
إذا تحدّث المرء في أمر، قيل له، ويحك كيف تناقش "المعصوم". ومن تكون، حتى تدلي برأيك، أمامهم؟.
وإذا طرحت قضية للنقاش، وأدلى برأيه، قيل له، كيف تناقش فلان وفلان، وقد زكاه فلان وفلان.
وكل يضع خطوطا بألوانها، أمام من اتّخذه "إلها !!" . فهو في نظره يُطاع ولا يناقش، ويُسمعُ له ويُنفذ رأيه. والويل لمن خالفه الرأي، ولو كان مخطئا بيّن الخطىء.
ومن المصائب التي ابتلي بها المجتمع، أن فلانا إذا تحدث في الفيزياء، والرياضيات، والرياضة، والعلوم الدقيقة، وعلم الفلك، وفي أمور أخرى لايتقنها ولا يحسنها، وجب على المرء أن يمتثل لها، ويطبقها في حياته، دون مناقشة تذكر، لسبب بسيط، أنها صدرت من فلان، ولو كان المناقش أعلم منه وأرسخ في القضية التي طرحت، كأن يكون المناقش متخصص في علم الفلك، أو الفيزياء.
خلال هذا الأسبوع، قال الأول، أن الأرض ثابتة، وقال الثاني، الأرض ليست ثابتة. فاتهم الثاني بكل أنواع الجهل، وقيل له.. هل جننت، كيف تخالف من قال أن الأرض ثابتة !!.
لو بقيت المسألة في المساحة المخصصة للنقاش، لهان الأمر، ولقيل هذا رأي، وهذا رأي. لكن لماذا الاتهام في مسألة لاتستحق كل هذا الاتهام.
ثم إن المسألة، مسألة علمية فلكية، ونسبة الخطىء في علم الفلك، ضئيلة جدا، تكاد لاتذكر ، فالتعرض المسألة على علماء الفلك، فهم أدرى من غيرهم في هذا الجانب، وباستطاعتهم أن يزيلوا الخلاف.
ليس من العلم ولا الآداب، أن يظل المرء أسير شخص في كل القضايا والمسائل، ولا يناقش صاحب الرأي والفكرة، رغم أن الفكرة تتولد بالمناقشة، ويتضح شكلها ومسارها وعمرها، عبر الأخذ والرأي.
إن مناقشة الرأي التي نتحدث عنها، تلك التي لاتستثني أحدا، مهما كان في العلم والدرجة والمنزلة. فكل يأخذ منه ويرد، إلا صاحب هذا المقام الرفيع، صلى الله عليه وسلم.
إن المجتمعات المتخلفة، مازالت تعاني كبح الرأي وفرض الرأي. وكلما فرض رأي بالقوة والتهديد، كلّما زال رأي آخر بالقوة والتهديد.
وقد أثبتت الأيام، أن الأفكار تتعدى التهديد والمنع، وأن معول الهدم، أضعف بكثير من أن يحطم فكرة مخالفة، أو يبني فكرة مؤيدة.
إن القداسة لايملكها أحد، وكذلك الرأي والأفكار، فهي تستمد قوتها من ذاتيتها، ولا يمكنها بحال أن تستمد ديمومتها من صاحبها. وبما أنها قد تتعرض للنقد، فالتترك لها فرصة المناقشة، فقد يصحح صاحبها أخطاءه، وتصبح أكثر ضياء وصلابة.
إن منع الناس من إبداء الرأي، بحجة فلان وفلان، يحرم الرأي من التقويم والتصحيح، ويجعل الأجيال القادمة، يتعاملون مع الأخطاء على أنها مسلمات، لأنها صدرت من الجهة الفلانية، أو فلان.