المقاهي عالم تتجمع فيه ألأجيال هنالك الشاب والكهل ومتوسط العمر،منهم من توقف الزمن عنده لحظة مقتل الملك،وآخر لحظة مصرع الزعيم عبد الكريم،وآخر لازال يفكر بما قبل التاسع من نيسان 2003،وهذا يعني إن كل من هؤلاء يختلف عن النوع الرابع الذي يعيش الألفية الجديدة بعمقها سواء الإيجابي أو السلبي وله تفكيره الذي يختلف كثيرا عن تفكير الجالسين معه في المقهى،الأخير لا يعرف الملك ولا الزعيم،بل يعرف ميسي ورفاقه،يتابع دوريات أوربا بهدوء،لهذا عندما يسمع الصخب في المقهى في حوارات الآخرين عن زمنهم القديم لا يفهم منه شيئا ويشعر بأنه غريب عنهم وبالعكس.
ما هو تأثير هذا على عملية البناء الثقافي للمجتمع؟هل الجيل الحالي مجبرا على أن يتنفس التاريخ برئة الأجيال السابقة التي نظر كل منهم إليه من زاوية تختلف عن الآخر؟وهذا ما يقودنا لأن نكتشف إن هنالك أنواع عديدة من التاريخ وليس بالضرورة أن يكون التاريخ مكتوبا من قبل المنتصر بل نجد تاريخا شفهي يتداوله الناس مكتوب من قبلهم ومنسوج بطريقة وحبكة متميزة لدرجة يصعب عليك التمييز بين الحقيقة والوهم.
وقد نكون نحن من الشعوب القليلة في العالم التي تنفرد بروايات متعددة لحدث واحد وهو ما يجعل الحقيقية تتسرب وتبتعد عنا خاصة إذا ما كان النقل والسرد لها يضاف إليه أو يحذف منه بحسب مصلحة الراوي ووجهة نظره التي تجبر الأجيال اللاحقة على تصديقها بحكم إنه (معاصر لها) وأحيانا يكونوا جزء مهم منها.
والسبب في تعدد الروايات يكمن في جانب مهم منه في غياب المذكرات للقادة والزعماء وحتى النخب الثقافية والفنية وعلى ما يبدو إن كتابة المذكرات في العراق بصورة خاصة والوطن العربي بصورة عامة ليست لها أهمية لدى الزعماء صغيرهم وكبيرهم مما يفقد الأجيال اللاحقة فرصة الإطلاع على الحقيقية كما هي لا كما يريد الآخر ذلك.
ونجد أيضا إن المناهج الدراسية العراقية هي الأخرى تتجنب خوض تاريخ العراق المعاصر في كافة المراحل الدراسية وتكتفي بالتاريخ القديم المتفق عليه عالميا والذي لا شائبة فيه وعليه وبالتالي الأجيال الجديدة نجدها اليوم تردد كالببغاء عبارة( الله يرحم زمن الملك) وهي لم تعش هذه الفترة لكنها تستند لما يقال في المقاهي والطرقات.
وهذا ما يجعلنا نقول إن النخب السياسية العراقية لا تمتلك الشجاعة لأن تكتب مذكراتها اليومية وإن كتب البعض منهم هذه المذكرات فإنها ظلت حبيسة مكتبه ولم تجد من يطالعها.
مقالات اخرى للكاتب