“بهلول” يختلف عن كل الناس، فهو يفسر ويحلل الأمور والأحداث على وفق ما يهوى، وغالبا ما أراه يستهزئ بالمحللين السياسيين الذي يظهرون على الفضائيات، ويعدّ كلامهم واجبا درخيّا. وحتى قرارات البرلمان والحكومة بل قرارات مجلس الأمن الدولي هي عنده تحصيل حاصل ما يحاك في الكواليس، اذ يرى أن التنابزات بين الكتل السياسية والتراشقات بين الدول ما هي إلا واجهة تخديرية لتمرير ما متفق عليه.
وبهلولنا هذا، هو نموذج فريد للاسترخاء والهدوء والتعايش، ولكنه ينقلب الى وحش متوتر وعصبي اذا قال له أحدنا بأن آراءه هذه إنما تسمى نظرية “المؤامرة”، وانها نظرية معروفة وتدرس في الأكاديميات السياسية. إذذاك ينتفض ويزبد ويرعد ويغلط ويحلف بأغلظ الأيمان بأن ما يؤمن به وما يردده ما هو درس قد تعلمه من معلمه “جحا”، ولا يمكن لأيما أحد أن يصل الى علم المعلم “جحا”!
قبل يومين، سألته:
– أبو البهاليل، يرحم والديك، هاي الكوليرا امنين اجتنه؟.
أجابني:
– عمي أبو حيدر، هاي الكوليرا وكبلها داعش، وكبل كبلها المحاصصة، هذن كلهن جابتهن وتجيبهن أمريكا، وهذن كلهن مثل خرفان ودجاجات عمي جحا.
ولما انتبه الى أني لم أفهم شيئا من كلامه، تناول مجلة للأطفال كانت بقربه وفتحها على صفحة معينة، وبدأ يقرأ:
ذهب رجل إلى جحا وشكا له أنه يعيش مع زوجته وأمه وعمته وستة من الأطفال في حجرة واحدة، فماذا عليه أن يفعل حتى تتحسن أحواله وحياته؟
أشار عليه جحا أن يشتري حمارا ويجعله يعيش معهم، وفي الغرفة نفسها. ففعل.
وبعد يومين رجع الرجل إلى جحا وقال له:
ـ الحال يسوء يا جحا..
فلاطفه جحا وهوّن عليه، وأشار عليه أن يشتري خروفا ويجعله يعيش معهم أيضا، في الغرفة ذاتها.
وبعد يومين رجع الرجل إلى جحا والضجر باد عليه، وقال له:
ـ الحال اسوأ واسوأ يا جحا..
ثانية هوّن عليه، ودعاه أن يتعوّذ من الشيطان وأن يشتري دجاجة ويضيفها إلى ملاك الغرفة، فرضخ الرجل لطلب جحا. ولكنه عاد بعد يومين والشرر يتطاير من عينيه، وصرخ:
ـ سأنتحر .. الحال أصبح لا يطاق..
عندها قبّله جحا واحتضنه وأشار عليه أن يبيع الحمار، ففعل. ولما عاد ذكر أن الحال تحسن، فأشار عليه جحا أن يبيع الخروف كذلك. وأيضا نفذ ورجع وكله لسان شكر، لأن الحال صار أفضل بكثير، فنصحه جحا أن يبيع الدجاجة. وبعد ان باعها عاد الى جحا هاشا باشا، والأرض لا تحمله من سعادته، فقد تحسنت أحواله وصارت عال العال..
مقالات اخرى للكاتب