من الحقائق التي يستلزم المقام ذكرها وإعادة ذكرها بمناسبة القمة النفطية بالجزائر، لم يكن هناك رفعا لأسعار النفط سنة 1973، إنما كان هناك تقويم للأسعار وإعادتها إلى مكانتها الطبيعية. إلا أن الغرب ضخم المسألة واعتبرها تهديدا لكيانه واقتصاده، وصدقه في ذلك العرب وروجوا للفكرة الغربية ، فاشتعلت النيران من يومها.
ويكفي التذكير أن كيسنجر أقسم بأغلظ الأيمان، أن ما حدث سنة 1973 لن يتكرر أبدا، وفعلا وفى بوعده وتم إنشاء الوكالة الدولية للطاقة، ونتج عنها أول إنهيار لأسعار النفط سنة 1986، ومن يومها واسعار النفط رهينة ذلك القرار. وما يجب فهمه أن النفط يعتمد على جملة من المتغيرات ..
الاجتماعية، والسياسية، والبنية التحتية، والثقافة الاستهلاكية، ودرجة الوعي، والسلم أو الحرب، والنزاعات، والقدرة الانتاجية، وطاقة الاستيراد والتصدير، ونوعية ودرجة العلاقة مع المنتج والمستهلك، والبحوث العلمية، والبحث عن البدائل، وقدرة وبراعة المفاوض المحلي. ومن إفتقر لواحدة تراجع أميالا إلى الوراء. وعظمة الدول وقدرتها على المنافسة في إمتلاكها لجملة المتغيرات المحيطة والداعمة للنفط، وليس النفط بحد ذاته. ومن جملة هذه المتغيرات الفاعلة، نقول ..
ليس من مهام وزارة الطاقة الجزائرية الجري وراء إرتفاع أسعار الطاقة والرفع من أسعار الغاز والكهرباء ، والاختفاء وراء إنخفاض أسعار الطاقة .
مهمتها الأصلية البحث عن بدائل للنفط ، وهي كثيرة عديدة تزخر بها طبيعة الجزائر والأصابع العشر للجزائري، عوض تضييع الوقت في مفاوضات فاشلة مسبقا .
أما فيما يخص الصراع الإيراني السعودي في مجال النفط وبالنفط، فقد إتضح ذلك جليا في كون..
المملكة السعودية أبرمت إتفاقا مع روسيا بشأن النفط، وإيران أبرمت إتفاقا مع روسيا بشأن النفط، والتباكي أمام وسائل الإعلام بأن الآخر هو الذي يرفض الاتفاق حول أسعار النفط. إذن ما فائدة الحضور لمؤتمر الجزائر، ما دام الاتفاق الاستراتيجي تم خارج المنظومة النفطية المتعارف عليها .
والسبب في ذلك أن إيران لها آلة حرب وصراع في اليمن، وسورية، ولبنان، والعراق. والمملكة السعودية لها آلة حرب وصراع في اليمن، وسورية، ولبنان، والعراق. وأسعار النفط تتبع أسعار الصراع والحرب ، ولن يكون هناك إتفاق حول الذهب المقدس حتى يكون هناك إتفاق حول الروح المقدسة .
وخلال اليوم الأول للإجتماع، أتابع أستاذا سعوديا عبر الفضائية "الإخبارية" السعودية، يقول ..
المملكة السعودية وإيران يرفضان الاتفاق في الجزائر حول سعر النفط. وفي نفس اليوم أستمع للوزير الإيراني يقول: الجزائر ليست المكان المفضل للتشاور حول أسعار النفط.
والاتهامات المتبادلة مستمرة بين السعودية وإيران بشأن عدم الاتفاق حول أسعار النفط. وإنه الوجه الآخر للصراع بينهما، الذي ينتقل من ميدان إلى ميدان، ويأخذ اشكالا وألوانا..
تارة باسم الحجر الأسود، وتارة أخرى باسم الذهب الأسود .
مقالات اخرى للكاتب