لم يكن لأحد بمكان أن يتصوّر بأنّ الدستور الذي صوّت عليه الشعب العراقي بالرغم من كل سيئاته , سيهان ويداس تحت الأقدام بهذا الشكل المخزي والفاضج , ولم يكن لأحد أن يتصوّر أنّ القضاء العراقي ممثلا بالمحكمة الاتحادية العليا التي منحها الدستور العراقي صلاحيات الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة , تقف مرتبكة وعاجزة أمام هذه الفوضى القانونية .
فالجميع يعلم أنّ التفسير الذي جائت به المحكمة الاتحادية العليا حول تفسير المادة 60 من الدستور العراقي والمتعلقة بمشاريع ومقترحات القوانين , لم يكن مبررا ولا صحيحا من الناحية القانونية , لأنّ هذا التفسير الخاطئ يعد تجاوزا على مهام مجلس النوّاب في تشريع القوانين , لكنّه برغم خطئه أصبح قاعدة قانونية معمولا بها بعد قراري المحكمة الاتحادية رقم 41 , 42 لسنة 2010 , وبموجب هذه القاعدة القانونية الجديدة الملزمة أصبحت مقترحات القوانين التي يقدمها النوّاب أو اللجان في المجلس هي أفكار بحاجة أن تتحوّل إلى مشاريع للقوانين , وهذه المشاريع يجب أن تأتي حصرا أما من رئاسة الجمهورية أو رئاسة مجلس النوّاب , وبموجب هذا ردّت المحكمة الاتحادية عدّة قوانين , أهمها قانون تحديد ولاية الرئاسات الثلاث وقرار إلغاء رواتب تقاعد النوّاب الذي صدر قبل فترة قليلة , وأصبح التمييز بين مقترح القانون ومشروع القانون تعرفه حتى رّبات البيوت في القرى .
ولهذا فعندما بدأ مجلس النوّاب بمناقشة مقترح قانون الانتخابات الجديد المقدّم من قبل اللجنة القانونية في المجلس , تفاجئ الجميع لهذا الخرق الدستوري , حيث يعلم الجميع بما فيها رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة مجلس النوّاب ولجنته القانونية وكل الكتل السياسية , إنّ هذا المقترح المقدّم من قبل اللجنة القانونية لا يجوز التصويت عليه ما لم يقدّم كمشروع قانون من رئاسة الجمهورية أو رئاسة مجلس الوزراء , لكنّ الجميع قد تغاضى متعمدا على هذا الخرق الدستوري , بل والجميع أراد من هذا الخرق الدستوري أن يكون وسيلة بيده للابتزاز والتهديد بنقضه في حالة عدم الاستجابة إلى املائاته , والمشكلة الأكبر أنّ بعض الكتل السياسية قد هددت رئاسة البرلمان بنقض هذا القانون في حالة عدم الاستجابة لمطالبها , ورئاسة البرلمان تدرك جيدا أنّ هذا القانون يمكن نقضه بسهولة أمام المحكمة الاتحادية العليا كونه مقترح قانون وليس مشروع قانون مقدّم من السلطة التنفيذية .
وقبل أيام فاجئتنا رئاسة الجمهورية بإضاءة قانونية موجهة إلى هيئة رئاسة مجلس النوّاب , تجيز بموجب هذه الإضاءة وتعطي الإذن لمجلس النوّاب التصويت على مقترح قانون الانتخابات الجديد الذي جرى قبل فترة قليلة , وذلك بموجب المادة 928 من القانون المدني العراقي رفم 40 لسنة 1951 والتي تنص على (( الإذن والأمر يعتبران توكيلا إذا دلّت القرينة عليه , والإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة , أما الرسالة فلا تعتبر توكيلا )) , وبدورنا نريد أن نتوجه لأصحاب الشأن والقرار ببعض الاسئلة , ولو إننا ندرك تماما أنّ هذه الاسئلة لن تلقى آذانا صاغية ولن يجرأ أحد على الإجابة عليها , لكنّه موقف نسجله للتأريخ كشهود على هذه البلوى وهذه المصيبة التي حلّت على رؤوس العراقيين .
أولا / لماذا تعمدّت اللجنة القانونية في مجلس النوّاب بالإبقاء على مقترح القانون وعدم ارساله للسلطة التنفيذية من أجل تحويله إلى مشروع قانون , وهي تعلم أنّ المضي في إقرار هذا المقترح هو مخالفة صريحة للمادة 60 من الدستور العراقي ؟
ثانيا / لماذا تغاضت رئاسة مجلس النوّاب على هذا الخرق الدستوري ولم تبادر لإرسال هذا المقترح إلى السلطة التنفيذية التي خوّلها الدستور حصرا بتقديم مشاريع القوانين ؟ .
ثالثا / لماذا تغاضت الكتل السياسية عن هذا الخرق الدستوري ولم تنبه رئاسة مجلس النوّاب لمخاطر نقض هذا القانون في حالة الاستمرار في التصويت عليه وإقراره ؟ .
رابعا / رابعا أين كنت يا سيادة نائب رئيس الجمهورية عن هذا الخرق الدستوري وأين كانوا مستشاروك القانونيين وخبراء الدستور الذين استأنست برأيهم والذين أفادوك ببدعة الإجازة اللاحقة بحكم الوكالة السابقة ؟ وألم يخبروك هؤلاء الخبراء أنّ الدستور العراقي هو القانون الاسمى والأعلى في العراق ولا يجوز لاي قانون أن يعلو عليه ؟ وكيف تمنح رئاسة الجمهورية توكيلا من خلال هذا الإذن والنظام في العراق هو نظاما برلمانيا وليس نظاما رئاسيا ؟ .
خامسا / وكيف تطالب المرجعيات الدينية ومعتمديها من ائمة الجمعة بعدم الاعتراض على هذا القانون اللادستوري ؟ أليس من الأولى لهذه المرجعيات الدينية أن تطالب مجلس النوّاب بتقديم تفسير لهذا التعمد في عدم احترام الدستور وخرقه ؟ .
سيادة نائب الرئيس .. الشعب يعلم جيدا أنكم جميعا كسلطة تنفيذية وسلطة تشريعية لم تصونوا هذا الدستور ولم تحترموه يوما , وجميعكم قد داس عليه تحت أقدامه , وحتى السلطة القضائية وللاسف الشديد هي الأخرى أصبحت دمية بأياديكم تسيّرونها كيفما تشاؤون , حيث كان من المفترض بموجب الصلاحيات الدستورية الممنوحة للمحكمة الاتحادية العليا , أن تقوم بدورها الرقابي على دستورية القوانين والأنظمة النافذة دون الحاجة لإقامة دعوى على هذه القوانين اللادستورية , وبالتالي اختزال هذا الدور المباشر في الرقابة على الدور غير المباشر .
في الختام أقول أنّ البرلمان الذي لا يحترم دستوره غير جدير بالاحترام , والقضاء الذي يتواطئ ويسكت على هذه الخروقات الدستورية هو الآخر غير جدير بالاحترام , وللتاريخ أقول إنني ماض في مسعاي بإسقاط هذا القانون اللادستوري بالرغم من إنني أدرك أنّ المحكمة الاتحادية العليا سترد هذه الدعوى بذريعة الحاج خضير الخزاعي نائب رئيس الجمهورية (( الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة )) .