الذين يتحدثون عن طبيعة (هوية) الدولة العراقية ما بعد التغيير وانهيار الحكم الدكتاتوري الشمولي، يجدون في الدستور مؤشرات مقتضبة، ومتناقضة، للإسترشاد بها الى تقرير ما إذا يُعتبر العراق، دولة مكونات أو دولة مواطنة، وفي سياق التجاذبات والاستطرادات (والخلافات) بصدد هذه المشكلة نطالع كمّا غير قليل من المفاهيم، منها ما يمس جوهر الموضوع، ومنها ما ينأى الى التمنيات والتنظير والفرضيات تنفع في تنمية الثقافة السياسية والقانونية اكثر مما تنفع في اعادة تصويب وتعديل النصوص والتطبيقات.
القائلون بان العراق دولة مكونات، مستندين الى مفردة “المكونات” في اكثر من مادة دستورية، يضعون هذا التوصيف في أضيق الحدود، بحيث يبدو انه يتعارض مع حقوق (دولة) المواطنة التي تتضمنها جميع النصوص التي تشير الى المساواة بين العراقيين، وبخاصة المادة (14) التي تُسقط الحدود الجنسية والدينية والقومية والطائفية بين المواطنين حين يتعلق الامر بحقوقهم المدنية، كما يضعونها بالضد من التعريف الدستوري للحكم الجديد بحسب المقدمة (الديباجة) كونه “نظام جمهوري اتحادي ديمقراطي تعددي” بل انهم يضيّقون مشمول “المكونات” بتجريده من البعد الاجتماعي، فلماذا لاتكون النساء، او طبقات العمال والمزارعين والموظفين واصحاب العقائد المختلفة من مكونات الشعب، اسوة بالمكونات الدينية والقومية؟.
لكن، التعسف في استخدام مفهوم (منطق) المكونات نجده في الامعان بتوزيع الحقوق والامتيازات على قاعدة التراتبية وخارطة الحجوم (المحاصصة) الامر الذي يضع المساواة الملزِمة دستوريا في مأزق، او في مهب الريح، وقد سجلها الرئيس فؤاد معصوم في كلمته مع جماعة الاعلاميين في 20 من هذا الشهر إذ قال: “ان المساواة بين مكونات الشعب العراقي غير متوفرة” وليس ذلك غير واحد من الحقائق التي يمكن ان نقرأها بسهولة في طائفة الشكاوى المعلنة، فليس ثمة مكوّن مطمئن الى سلامة البناء والعلاقات والنيات وتفسيرات النصوص، وليس ثمة طائفة او قومية او جماعة دينية لا تشكو من التهميش أو التجاوز، فيما تحولت هواجس المظلومية الى شعارات سياسية تتقاذفها القيادات السياسية بغرض التعبئة والدعاية الانتخابية والنفوذ.
نعم، ثمة بالسياقات الدستورية اكثر من نص يؤكد على دولة المواطنة، والمساواة بين المواطنين، وبين النساء والرجال، وفي فرص العمل، وأمام القانون، وثمة اتفاقات دولية انضم اليها العراق وصادق عليها البرلمان، تقضي بالتزام الدولة باحترام حقوق المواطنة باعتبارها حقا مطلقا، لكن المشكلة تتمثل (أولا) في هشاشة الهيكلية القانونية التي تضمن بناء دولة المواطنة التي لاتلغي، طبعا، حقوق المكونات القومية والدينية والاجتماعية.. و(ثانيا) في ضعف جاهزية واستعداد (وايمان) الطبقة التي تدير دفة السياسة بوجوب تشييد دولة المواطنة، وبعض ممثلي هذه الطبقة يقولون لك، بعظمة لسانهم: دولة المواطنة تمر على جثثنا.
“كل مرض، معروف السبب، موجود الشفاء”.
ابيقراط
مقالات اخرى للكاتب