بسطت جماعة الإخوان سيطرتها على القرار السياسي في مصر بعد ثورة 25 يناير بسبب تشابك الأحداث وتسارعها وعدم استطاعت الحركات السياسية والثورية ألحاق بالمتغيرات الكبيرة والكثيرة التي أحدثتها الثورة على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ظل انفلات أمني متزايد ، فضلا عن غياب الرؤية والمنهج وعدم وجود برنامج وأهداف متفق عليها بعد سقوط نظام حسني مبارك ، وزاد المشهد سوءا الفوضى الحزبية التي أعقبت الثورة وظهور شخصيات أقحمت نفسها بالعمل السياسي معتمدة على شيوع اسمها في الشارع المصري كمفكرين أو علماء آو رجال أعمال أو من العاملين في المنظمات الدولية حاولوا تسويق أفكارهم التي لا تقترب من هموم المواطن المصري من أبراج عالية
إما المؤسسات الدينية وأبرزها الأزهر والكنيسة، فالأول وجد نفسه واقفا على رصيف الانتظار وقد غادره القطار مسرعا وأصبح صوته خافتا لا يكاد يسمع نفسه وتاه بين أطروحات الإخوان والسلفيين واليساريين ومؤيدي النظام السابق ودعاة التجربة الناصرية ، وعندما وجد المواطن الذي لا يهمه إلا خبز عياله والأمان إن الأزهر قد وضع العمامة في فمه وكشف رأسه ليتفادى اللجوء إليه تجاوزه ففقد تأثيره على الأرض. أما الثانية الكنيسة فهي حائرة ومتوجسة من تداعيات التغير فأوت إلى جبل يعصهما لتراقب الأحداث من دون أن تؤثر أو تتأثر بها لحين انجلاء غبار المعركة وترى سيقان المنتصر فتتغزل بها لتحافظ على مكتسباتها، وهذا يذكرنا بسياسة أكراد العراق عندما نشبت الحرب الطائفية بين عرب العراق السنة والشيعة. في الجانب الأمني نأت مؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية المصرية بنفسها على الطريقة اللبنانية عن التدخل في الأحداث المتلاطمة فهي تتفرج على دماء القتلى والجرحى واغتصاب النساء وحرق المنشات العامة والخاصة في ميادين القاهرة والمحافظات الأخرى ولاذت بالصمت الرهيب .
وسط هذا المشهد المريع شمر الإخوان عن سواعدهم ليخطفوا الثورة ويرسموا اتجاها آخر لها بعيد عن المسببات التي أشعلتها، سقطت الثورة في أحاضنهم بطريقة وأخرى وعليهم أن يعتلوها لتكون ذليلة منكسرة تتبعهم أينما يذهبون . نرى رئيس الدولة الاخواني يصدر تشريعا لحماية الثورة ليوهم العالم بان الإخوان هم من فجرها وهم الأحق بحراستها وان القوى السياسية والثورية والشباب والنساء الذين اسقطوا النظام من المرتدين على الثورة . ثم يتمدد أكثر ليشن حملة على السلطة القضائية ويضربها في عقر دارها ليتبعها بإعلان دستوري مريب حصن فيه قرارات الإخوان من الإلغاء أو النقض، ويدفع المرشد العام للإخوان تنظيماته إلى الشارع لتحاصر مكتب المدعي العام والمحكمة الدستورية تحت راية الله اكبر ويهتفوا (بالروح بالدم نفديك يا إسلام ) في بلد الإسلام وليس في تل أبيب، إجراءات أدت إلى انقسام الشعب العربي المسلم في مصر بين مؤيد ومعارض إلى قاتل ومقتول.
السؤال الذي لا مفر منه ماذا يريد الإخوان المسلمون اوكما يطلق عليهم في مصر (أخوان المسلمين) والفرق بين المصلحين كبير ولا اعرف هل هو خطأ شائع أم مقصود، ماذا يريدون من وراء خلط الأوراق وتأزيم الاوضاع؟ نعتقد بأن جماعة الإخوان لها أسباب عديدة من وراء ذلك من أهمها:
- لا يمكن إن تحقق الجماعة أهدافها في ظروف اعتيادية سيما وان فترة الحكم محددة ومجلس الشعب حل مما ضيع تشريع قوانين تصب في مجرى أهدافهم.
- عدم وجود دستور متفق عليه ومستفتى عليه من قبل الشعب وان ما أنجزه مجلس كتابة الدستور أو ما يسمى بالتأسيسية ولد ميتا وان التأسيسية نفسها عرضة للإلغاء أو إعادة تشكيلها بقرار قضائي، والاتفاق على تشكيل التأسيسية و بنود الدستور سيأكل من جرف مدة الحكم سيما وان الإخوان لم يستطيعوا أن يبنوا قاعدة جماهيرية خارج تنظيمهم مما يولد شك لديهم بالفوز في الانتخابات القادمة.
- تصعيد الأحداث يصب في مصلحة الإخوان بصفتهم الحاكم الفعلي إذ قد تؤدي إلى إنزال الجيش إلى الشارع و إعلان الأحكام العرفية والبقاء في السلطة مدة اكبر.
- لم تستطع أمريكا إخراج محمد مرسي من أزمته الداخلية بجعله بطل إيقاف الهجوم على غزة لعدم تفاعل الجماهير المصرية مع الحدث ،والمؤشرات تنبأ بان ليس لدى أميركا المزيد من الدعم تقدمه في الوقت الحاضر بعد الفشل الذريع لأنظمة الحكم التي حل فيها الربيع العربي ورحل مسرعا. لذا وجب عليهم تثبيت سلطانهم بإمكانيات ذاتية من خلال افتعال الأزمات.
- الاستفادة من التجربة الإيرانية في تثبيت نظام الحكم بعد الثورة الشعبية من خلال إصباغ الثورة بالشعارات الإسلامية وضرب الحركات الثورية والانفراد بالحكم المتمثل بولاية الفقيه وتصدير الأزمة إلى الخارج بحرب طاحنة مع العراق امتدت لسنوات . وربما سيلجأ الإخوان إلى حرب مفتعلة توحد الشارع المصري وتنمي دور المرشد العام للإخوان.
- أفرزت الأيام الماضية عدة معطيات على الأرض من أهمها رفض الشارع المصري استحواذ الإخوان على الثورة والسلطة وتوحد القوى الوطنية في الوقوف بوجه دكتاتورية الحاكم وخروج المظاهرات التي تنادي بسقوط حكم المرشد، والدلائل تشير إن الإخوان سوف لم يستسلموا بسهولة وسيدافعون عن المكتسبات التي حصلوا عليها بشراسة ، لازالت الرصاصة في جيب المرشد العام وان سارت الأمور عكس تيارهم ستحدث الكارثة وتخرج مليشيات الأخوان بأسلحتها من تحت الأرض لتدخل مصر في المجهول ..... حفظ الله مصر وأهلها.
Khalid_rahmed@yahoo.com
مقالات اخرى للكاتب