يبدو أن موقع تويتر أخفق بإطلاق مصطلح "تغريدة" على الرسائل التي يبثها أصحابها من خلاله، إذ أن بعض الرسائل تكاد تكون أقرب الى النهيق منها الى التغريد..! وأظن أقربها الينا تلك النهقة التي أطلقها جناب السفير السعودي المفدى ثامر السبهان، فقد نهق بإطلالته على موقع تويتر بما لايمت بصلة الى العقل والرشاد، كما أنه بعيد عن الأدب والأخلاق، هذا في حال افتراضنا أن نهيقه كان عفويا غير مبطن، وأن إطلاقه إياه لم يكن بقصد دنيء -مع أن مقاصده دوما كذلك-. يقول سعادة السفير السبهان عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر:
"إن ما يثلج الصدر أن الغالبية العظمى من مكونات الشعب العراقي الكريم، ومن كل طوائفه، مؤمنة بأن العراق كان وسيبقى عربيًا، رغم ما يمر به من ظروف".
ومعلوم أن السفير يمثل بلاده في بقاع المعمورة خارجها، وما ينطقه على مستوى سياسي واجتماعي، لايعد أغلب الأحيان رأيا شخصيا، بل هو رأي دولته وحكومته، وهو محكوم بالامتثال به والعمل ضمن نطاقه، من دون الخروج عن إطر محددة قد تختلف بين دولة وأخرى، إلا أن العامل المشترك بينها جميعا هو عدم الخروج عن الرأي الرسمي لدولته. هنا تحديدا صار أمامنا خياران، فإما الأخذ برأي السبهان كرأي شخصي، وإما احتسابه ناطقا عن بلاده، فيكون كلامه بهذا مردورا على آل سعود وما أدرانا ما آل سعود!.
وبالعودة الى اواسط القرن الثامن عشر الميلادي، نكون قد وضعنا أصبعنا على الجرح النازف في الحجاز، والذي يمتد أثره وتأثيره الى يومنا هذا في العائلة المالكة هناك، والتي ستضحى هالكة بفعل الإرث الفكري الذي وصلها مده من مدد شيخهم محمد بن عبد الوهاب، وهو كما معلوم يريد حصر الإسلام بتعاليمه، وتعاليم القرآن بتفسيره، وتفسير الانتماءات بمقاييسه، والأخيرة قطعا لاتخرج عن كونها مقاييس صحراوية بدوية ترجع أصولها الى الجاهلية، بل هي تتضاعف جهلا وتتقهقر تحضرا نحو الحضيض بل أضل سبيلا. إذ مادام آل سعود ورثة عبد الوهاب الشرعيون متمسكين بسننه، فإن الهلاك بملكهم ودولتهم أمر واقع لامحال. وبذا فلا يستبعد أن ينطق سفيرهم في دولة كالعراق، ويصرح فيها برأي شاذ عن الكياسة، وقريب من وهن الفكر، وخور العقل، وضعف الشخصية. فلو استقرأنا ما أرخه المؤرخون، وما قصه القاصون، وما رواه الرواة، وما كتبه الكتاب، وما أنشده الشعراء، وما تغنى به المتغنون بوصف العراقيين في تواددهم وتعاطفهم وتراحمهم على مر العصور وتعاقب الحكومات، لتبين لنا بكل وضوح مدى عمق الانتماء والولاء لأرضهم كوطن أم، وكذلك اندماجهم وتجانسهم مع شعوب البلدان العربية، والشاهد على هذا الظروف العسيرة التي مرت بها تلك البلدان، في العقود الماضية، ولاسيما بعد تشكيل الدولة العراقية عام 1921. فلطالما هب العراقيون شعبا وحكومة وجيشا، الى نصرة إخوانهم العرب في سوريا وفلسطين والأردن ومصر، ولطالما اختلطت دماء العراقيين بتربة تلك الدول رغم آلاف الأميال الفاصلة بينهما. كذلك لم يقف الأمر على التضحية بالدماء، فقد كانت مواقف العراق في إنقاذ دول عربية اقتصاديا سباقة بين الأمم، وجميعنا نذكر المساعدات التي كان يرسلها العراق -بغض النظر عن حكوماته- الى بلدان كالسودان والصومال ومصر وفلسطين وجيبوتي، ولعل أقربها المساعدات التي مازال أنبوبها عطاءً صوب الأردن.
أفبعد هذه المشاركات كلها، والمواقف بأصعبها، والأموال على حبها، والدماء على معزتها، يخرج لنا السبهان بنهيقه هذا؟
مقالات اخرى للكاتب