الفأس آلة حادة قاتلة ومتعددة الاغراض,لكن السؤال هل يمكن استخدامه لإصطياد ذبابة؟الجواب قطعاً لا. لماذا؟ لأنه وبكل بساطة لم يصنع لكي يستخدم في إصطياد الذباب,اذ من الممكن استخدامه لقطع الاشجارالكبيرة, او لحفر شق في الارض, أو لقتل بهيمة ضخمة كالفيل لكن لايمكن استخدامه لقتل ذبابة رغم صغرها وتفاهتها اذا ما قورنت بحيوان كالفيل او الجمل او حتى البشر الذي يمكن قتله بضربة حاذقة على رأسه بالفأس. لكي نصطاد ذبابة علينا استخدام الالة المناسبة المُعدَة لإصطيادها وليس الفأس.
أدلف الى صلب الموضوع فأقول ان السياسة الامنية المتبعة منذ عدة سنوات في العراق والتي ركيزتها الاساسية_ كما نلمسه_ نشراعداد هائلة من القوات الامنية ومن تشكيلات متنوعة من جيش وشرطة وقوات تدخل سريع وغيرها مدججين بالأسلحة المختلفة بما فيها الثقيلة كالمدرعات والدبابات والطائرات في شوارع وسماء المدن العراقية لأجل حفظ الامن واصطياد الارهابيين, اقول ان هذه السياسة اشبه بما تكون بمحاولة إصطياد الذباب بالفؤس وهي محاولات غير مجدية ومرهقة وتستنزف الجهود والطاقات والاموال وقبل هذا وذاك تزعج المواطنين الذين اصبح ديدنهم اليومي الانتظار لساعات طويلة عند نقاط التفتيش (السيطرات) وهم في طريق ذهابهم الى أماكن عملهم أولقضاء حوائجهم اليومية.
نحن هنا لا نشكك بالجهود الكبيرة التي تبذلها قوى الامن لأجل تحقيق الأمن والأمان,ونقف إجلالاً وإكباراً للتضحيات الجسيمة التي تقدمها وهي تحارب الارهاب,ولكن اعتراضنا ينصب على السياسة الأمنية المتبعة بمحاربة الارهاب والتي شبهتها بمحاولة اصطياد ذبابة بفأس.
لقد اثبتت حالات الاختراقات الامنية المتكررة والتي تحدث بين فينة واخرى وبأوقات زمنية متقاربة رغم الكم الهائل من القوات الامنية الموجودة على الارض أن المعركة الامنية في العراق هي معركة استخباراتية بالدرجة الاساس, فمن يملك المعلومة اولاً يحقق الاختراق, وعلى ذلك المطلوب ليس نشر القوات الامنية بالطريقة التي نشاهدها الان والتي لم ولن نستطيع بها كبح جماح الارهابيين الذين باتوا يصولون ويجولون بشوارع مدننا,ويختارون زمان ومكان تنفيذ عملياتهم الاجرامية بسهولة ومن دون رادع حقيقي يخيفهم او يفشل مخططاتهم, بل المطلوب تقوية الجهد الاستخباري, واعادة هيكلة اجهزتنا الامنية الخمسة واعني بها المخابرات, ومكافحة الارهاب, والامن الوطني, واستخبارات الجيش واخيراً استخبارات الداخلية, هذه الاجهزة هي الادوات الحقيقة التي يمكن بها ومن خلالها اصطياد الارهابيين وملاحقتهم والقضاء عليهم, اذ لايمكن لدبابة او لمدرعة او لمدفع ثقيل ان يكتشف ارهابي متخفي بين الناس, لكن يمكن للجهد الاستخباراتي, وللمتابعة الامنية كشف الخلايا الارهابية خصوصا اذا ما أشركنا المواطنين انفسهم في هذا الجهد كما تقعل الدول المتتقدمة, اذ أن أمن المواطن يبدأ بالمواطن ذاته الذي عليه ان لايبخل بالمعلومة, وأن يتعاون مع الاجهزة الامنية, وان تؤخذ المعلومة التي يتقدم بها المواطن على محمل الجد, فرفع مستوى الوعي الامني للمواطنين سيساهم الى حد كبير في تضييق الخناق على الارهابيين.
انها حرب المعلومات,المنتصر بها من يحصل على المعلومة اولاً, وهي المهمة التي ينبغي أن تقوم بها اجهزتنا الامنية الخمسة سالفة الذكر والتي يجب ان تناط قيادتها الى أشخاص حرفيين ومهنيين ولائهم الاول والاخير للعراق, وهمهم الأوحد حماية أمن الوطن والمواطن, وليس قضاء الوقت في تلميع وصبغ الشعر والتصابي.ِِ
مقالات اخرى للكاتب