يتمتع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأغلبية مريحة في مجلس العموم مكّنته من تشكيل حكومته في مايس 2010 والاستمرار فيها حتى الآن، لكنه مع ذلك لم يحقق الأغلبية عند التصويت منذ يومين على مشروع قرار مقدّم من الحكومة للمشاركة في ضربة عسكرية محتملة ضد النظام السوري رداً على استخدامه السلاح الكيمياوي ضد شعبه وردعاً له.
شكّل كاميرون، وهو زعيم حزب المحافظين، حكومته بالتحالف مع حزب الديمقراطيين الاحرار. ولم تواجه الحكومة أية مشاكل تؤثر في وحدتها، وليس من المقدّر أن تؤثر نتائج التصويت الأخير على مشروع القرار المرفوض على هذه الوحدة، فالنواب الذين صوتوا ضد رغبة كاميرون بالمشاركة في ضرب دمشق لم يكونوا من حزب العمال المعارض وحده وإنما أيضاً من الحزبين الشريكين في الحكومة.
لم يحمرّ وجه كاميرون أو يزرقّ أو يصفرّ عند إعلان نتيجة التصويت المخيبة لآماله، كما كان سيحدث لو ان تصويتا كهذا أو كغيره جرى في برلماننا. كاميرون قدّم مطالعة حفلت بالحجج القوية التي تبرر التدخل العسكري لجر اذن الرئيس السوري حتى لا يمضي بعيداً في استهتاره بأرواح ودماء ابناء شعبه. لكن كان هناك من لم يقتنعوا بحجج كاميرون أو لم يروا انها تبرّر تماماً تدخلاً عسكرياً بريطانياً، من منطلق ان هجمات الكيمياوي في سوريا لم تتسبب في وفاة أو إصابة مواطنين بريطانيين.
لم يغضب كاميرون للنتيجة ولم يتخذ قراراً بمقاطعة البرلمان، فبهدوء قال "اتضح لي أن البرلمان البريطاني الذي يمثل آراء الشعب البريطاني، لا يريد تدخلاً عسكرياً بريطانياً. لقد أخذت علماً بهذا الأمر والحكومة ستتصرف بناء عليه"، وأضاف "أؤمن بشدة بوجوب أن يكون هناك رد قوي على استخدام أسلحة كيمياوية، ولكني أؤمن أيضاً باحترام إرادة مجلس العموم".
هنا ، في بلادنا، تغرق الشوارع والساحات والأسواق والأحياء السكنية يومياً في بحيرات من الدماء.. تُزهق أرواح العشرات ويُصاب المئات يومياً أيضاً، فيما رئيس الحكومة الذي يتولى أيضاً قيادة القوات المسلحة واجهزة الأمن، يرفض المثول أمام البرلمان الذي وضعه في هذه المناصب، ويُلزم وزراءه المعنيين وجنرالات الجيش والداخلية بعدم الحضور بطلب من البرلمان لتقديم الحقائق عما يجري على الصعيد الأمني.
في بريطانيا لا تستطيع الحكومة ورئيسها أن يتجاوزا البرلمان في أي قرار يتعلق بالأمن والدفاع. أما لدينا فان البرلمان، بجلالة قدره، لا يمكنه الحصول على معلومة مفيدة من الحكومة ورئيسها حتى لو تعلق الأمر بأمن المواطن.
كيف ولماذا؟
الجواب بسيط للغاية: هناك، في بريطانيا ومثيلاتها، يحكم الديمقراطيون. اما هنا فيتحكم غير الديمقراطيين بالديمقراطية، مبادئ وتطبيقات.
مقالات اخرى للكاتب