اذا كنت تحب اهلك ووطنك وشعبك وترغب بقضاء احلى رحلة من المغامرة والتشويق والمتعة والتعلم ومعايشة عادات وتقاليد وبيئات شعوب اخرى وتتطور مهنيا ودراسيا ولغويا وربما تحصل على اقامة او جواز اضافي ينفعك انت وابنائك لاخر العمر ويكون لك عنوان ومسكن جديد بالاضافة الى عنوانك العراقي الذي لن تضيع ابدا عنه, فاستغل هذه الايام فرصة العمر التي لن تتكرر ابدا ربما لسنوات طويلة قادمة وهو طريق الهجرة المفتوح والمدعوم من تركيا الى كل دول اوروبا الغربية الغنية المتطورة المتحضرة التي لايظلم على ارضها بشر. هذا العرض الخيالي متوفر لفترة محدودة لاتتجاوز ربما عدة اسابيع قادمة وسينتهي حالما يصل العدد لحد معين وضعته الدول الاوروبية كسقف اعلى تستطيع تحمله لايعرفه احد ولكنه بالتاكيد سيكون نهائيا ولن تسمح اي دولة بتجاوزه بعد ذلك. فاذا ضيعت هذه الفرصة على نفسك وعلى العراق فانت ستقدمها كهدية مجانية لشاب منافس اخر من سوريا او اليمن او الصومال او دولة اخرى ومن المحتمل ان يكون هذا الشاب الاخر الذي تنازلت عن فرصة عمرك له داعشي او مشروع داعشي.
كل شاب يهاجر سيوفر فرصة عمل مضاعفة لشاب عراقي اخر لينقذه من البطالة وهذه من اسمى صور الايثار والوطنية, وسيرفع من فرص الشابات والنساء على التوظف والعمل وكسب الرزق والانخراط بالحياة العملية بما يطور المجتمع العراقي اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا. واذا نجح في بلاد الغربة الفاتحة ذراعيها ومدارسها وجامعاتها وبيوتها ومساعداتها المادية والصحية والتاهيلية له فانه ربما سيعود ليستثمر خبراته وامواله في بلده الام او على الاقل ليتزوج بعراقية لينقلها معه الى عالمه الجديد لتتضاعف الاحلام المتحققة لشباب وشابات هذا البلد. وكل من يقول لك ان هذه مؤامرة هدفها استنزاف موارد وطاقات وشباب العراق المعول عليها بناءه مستقبلا وما الى ذلك من الشعارات الزائفة الرنانة التي لاتسمن ولاتغني عن جوع فاعلم انه اما يضحك عليك او يحسدك.
لم يسبق لهذا العدد من الدول الاوروبية والغربية منها بالذات من اليونان جنوبا وحتى فنلندا باقصى الشمال مرورا بالعملاق الالماني ان فتحت حدودها ووفرت مختلف التسهيلات للاجئين والمهاجرين الجدد وخاصة من دولنا وبالذات العراق وسوريا. وتركيا تساهلت جدا بالموضوع بل وربما هي من اشعل شرارة هذا النزوح الكبير. تبتدا الرحلة من جنوب غرب تركيا ومنطقة ازمير عبورا بالقوارب والسفن الى سواحل اليونان لاجتيازها الى مكدونيا فصربيا فالنمسا فالمانيا ومايليها. وتكلف بين 3 الى 12 الف دولار للفرد حسب امان وسرعة الوسائط المستخدمة. جميع قوات حرس الحدود لهذه الدول تغض الطرف بل وتساعد احيانا المهاجرين وتاويهم مؤقتا. وكل وسائل النقل العام من باصات وقطارات متوفرة بالمجان للاجئين بمعظم الدول لتنقلهم من حدود الى حدود حتى يصلوا الى الدولة الهدف. مع تعليق مؤقت غير معلن لاتفاقية دبلن الموقعة عام 1990 التي تجبر المهاجر على طلب اللجوء باول دولة اوروبية تطأهما قدميه حتى وان لم يكن راغبا بالاستقرار فيها او تسفره من الدولة الاخيرة الى الدولة الاولى, والتي كانت تطبقها اوروبا بحذافيرها وتعديلاتها منذ 1997 والى قبل اسابيع.
نصيحتي للشاب المهاجر الذي يريد فعلا ان يستقر وينجح في موطنه الجديد ان يندمج اكثر واكثر باهل البلد الاصليين ويتعلم لغتهم باخلاص ويعاشرهم فعلا لا ان يكون متفرجا سلبيا وعالة عليهم. وان يبتعد بالذات عن العرب والمسلمين والذين سيجدهم طول الوقت في الجوامع والحسينيات ومقاهي الشيشة والنرجيلة لانهم بالغالب ينقلون تخلفهم وكسلهم معهم. وان يختلط بالشباب الاوروبي من نفس اعمارهم والذين سيجدهم اكثر ذكاء وخبرة وتجربة ودهاء من كل اصدقائه ومعارفه الذين تعود عليهم في بلده الاصلي. وان يستغل تواجده في تلك البلدان ليتعلم ويلتحق بدورات حرفية ومهارية وتعليمية تعقدها الجامعات والمعاهد خاصة وانها ستكون مجانية له لايدفع لها اي شيء. وهي افضل مكان للالتقاء والتواصل والتعارف مع اهل البلد الجديد يليها البارات والقاعات الرياضية والثقافية.
انها مغامرة بلاشك وتحمل عنصر المجازفة وينبغي توخي الحذر في بعض مفاصلها بعد ان تكون قد انطلقت بالفعل فيها لا ان تتخوف وتترهب منها وانت جالس في بيت ابيك وامك او حتى في مخيمات الذل للنازحين داخل بلدك تضرب اخماسا باسداس بمعادلات الجبن والكسل والتاجيل والتسويف او الوطنيات الفارغة. فالشباب خلق ليغامر ويستكشف ويهاجر ويتعلم ويستقل ويبني حياته ومستقبله بيده وباختياره. وانا شخصيا مررت بهذه التجربة او شبيها لها مرتين: الاولى بعمر 19 سنة والثانية بعمر 34. لم ولن اندم عليهما واعتبرهما اروع تجاربي بالحياة واكثرها خصبا واستكشافا. ولن تخسر ايها الشاب العراقي باي حال اذا جربتها ونجحت بالوصول للدولة الهدف. فبعد 6 اشهر او سنة او اكثر اذا قررت ان الهجرة لاتناسبك او انك شبعت منها وحققت مبتغاك فسيدفعون لك بحدود 6 الى 10 الاف دولار مع تذكرة مجانية ووداع رسمي الى باب الطائرة لتعود الى بلدك واهلك على حسابهم. فشتريد اكثر؟ وما لاتعرفه عن حياة الشباب الغربيين انهم يتفرغون جميعهم تقريبا لسنة واحدة كاملة تسمى "غاب يير" بعد الثانوية وقبل دخول الجامعة يتجولون فيها بين الدول ليتعرفوا على الناس والمدن والثقافات المختلفة تنمي عندهم الاستقلالية والتواصل والتسامح والشخصية المميزة قبل الانحراط جديا في الدراسة الجامعية. وهذه هي فرصتك ايها الشاب العراقي لتكون لك ايضا ومثلهم GAP YEAR.
مقالات اخرى للكاتب