انّ تغيير قانون الانتخابات ليضمن لنا قاعدة [صوتٌ واحِدٌ لمواطنٍ واحدٍ] من خلال تقسيم البلد الى عدد من الدوائر الانتخابيّة يساوي عدد المقاعد تحت قُبّة البرلمان سيصغِّر من حجم الدّوائر الانتخابيّة بما يزيد كثيراً من مصداقيّة التّمثيل النّيابي، ولذلك تعمد كلّ دول العالم الدّيمقراطي الى اعتماد هذا النّوع من الأنظمة الانتخابيّة لتحقيق أَكبر وأوسع تمثيل انتخابي تحت قُبّة البرلمان.
خامساً؛ كذلك فانّ مثل هذا القانون سيُحدّد المسؤولية بشكلٍ أوضح وأكثر تركيزاً، اذ لم يعُد بامكان النّائب الذي فاز باصواتِ دائرتهِ الانتخابيّة الصّغيرة ان يتهرّب من المسؤوليّة او يرميها على كاهلِ زميلٍ آخر له في مجلس النوّاب! أَبداً، فعندما يكون لكلِّ دائرةٍ انتخابيّةٍ نائبٌ واحِدٌ فقط يمثّلها تحت قُبّة البرلمان، فلم يكن بوسع هذا النّائب التهرب من المسؤولية مطلقاً لانّهُ وَحْدَهُ يمثّل الدائرة لا شريك لهُ او زميلَ فيها! فعلى من يرمي مسؤوليّة التقصير او الفشل او التلكؤ اذا بدر مِنْهُ إزاء دائرتهِ الانتخابيّة وناخبيه؟! فضلا عن انّهُ في هذه الحالة سوف لن يكونَ بامكانهِ رمي المسؤوليّة على كاهل زعيم القائمة او الحزب الذي رشَّحهُ لخوضِ غِمارِ الانتخابات، لانّهُ في هذه الحالة سوف لن يضمن مقعدهُ تحت قُبّة البرلمان بأَصوات الزّعيم الزائدة التي تفيض عن حاجتهِ فيتصدَق بها عليهِ! وانّما سيحجز مقعدهُ بأَصوات النّاخبين في دائرتهِ حصراً، فأَين المفرّ من المسؤوليّة؟!.
مُشكلة قانون الانتخابات الحالي انّ زعيم القائمة الانتخابيّة يتحمّل كلّ المسؤوليّة نظريّاً امّا من النّاحية العمليّة فتراه يرميها ذات اليمينِ وذات الشّمالِ على نوّاب في قائمتهِ هم في الحقيقة لا يهشّون ولا يبشّون! لانّهم ليس أكثر من فائزين باصواتِ الاخرين، فضلاً عن انّهم بطبيعة الحال لا يمتلِكونَ شيئاً من المسؤوليّة ليتحمّلون وزرها!.
هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر فعندما تكون الدائرة الانتخابيّة يمثّلها (٧٢) نائباً كالعاصمة بغداد لم يسمح القانون الحالي للنّاخب الا ان يؤشر على مرشّح واحدٍ فقط من بين مجموع (٨) آلاف او أكثر مُرشّح مُدرجة أسماءهم في ورقة الانتخابات، فكيف يحقّ للنّاخب ان يُحاسب نائباً فَشَلَ او قصّرَ او تلكّأ؟!.
عقليّاً ومنطقيّاً فانّ الدائرة الانتخابيّة كلّما تصغَر مساحتها الجغرافيّة كلّما سهُلت عمليّة المراقبة والمحاسبة والمساءلة للنائب الذي يمثّلها في مجلس النوّاب.
سادِساً؛ وبالقانون الجديد سنقترب من تشكيل الكُتل البرلمانيّة [الوطنيّة] العابرة للدين والمذهب والإثنية والمناطقيّة والعشائريّة والأُسريّة وغير ذلك، من المعايير التي كرّست العنصريّة والطائفيّة وقسّمت المجتمع على أُسس التعصُّب الأعمى لكلّ ما هو مُضرّ بوحدةِ العراق وإنسجام المجتمع المتعدّد والمتنوّع في كلّ شيء.
فحسب تفسير المحكمة الاتّحادية العُليا للمادة (٧٦ - أَوَّلاً) من الدّستور فانّ الكتلة النيابيّة الاكثرُ عدداً هي التي تتشكّل تحت قُبّة البرلمان بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات العامّة، هذا يعني انّ مثل هذه الكُتلة يُمكنها ان تتشكّل تحت قبّة البرلمان بعيداً عن تأثيرات زُعماء [العِصابة الحاكِمة] من مختلف الكُتل الحاليّة التي أَثبتت فسادها وفشلها وتوغّلها في المحاصصة المقيتة، من الذين استحوذوا على كلّ شَيْءٍ لتحقيق أجنداتهم الحزبيّة بل والشّخصيّة الضيّقة!.
امّا النوّاب الحاليّين الذين يتحدّثون الآن عن سعيهم لتشكيل كُتلة نيابيّة برلمانيّة عابِرة [للقارّات!] فهؤلاء يكذبون وهم غير صادقين مع ناخبيهِم، لانّهم جزءٌ لا يتجزّء من المنظومة الفاسدة التي تتّبع الزّعيم في كلّ ما يقول وما لا يقول على قاعدة [ظِلّي خليفَتي عليكم اذا غبتُ عَنكُم].
انّهم جزءٌ لا يتجزّء من الفساد والفشل الذي أنتجتهُ المحاصصة المقيتة، بل انّهم كلّ المشكلة فكيف يمكن ان يكونوا جزءً من الحلّ؟! وعلى مَن يضحكونَ عندما يتحدّثون عن سعيهِم لصناعة كُتلة عابِرة [للقارّات]؟!.
انّهم لا يتجرّأون حتى على الحضورِ والغَياب قبل ان يلوّح لهم الزّعيم بإصبَعهِ فكيف سيقنعونَنا بأَنّهم قادِرون على تركِ كُتلِهم لصالح تشكيل كتلةٍ جديدةٍ عابرَةٍ لكلّ الانتماءات الضيّقة؟!.
لقد وعدَنا القائد الضّرورة من قبل بتشكيلِ مثلِ هذهِ الكتلة فأَين حلّ بهِ الدّهر؟! وماذا كانت النّتيجة؟! إِنَّهُ طمسَ أكثر بشرنقتهِ الضيّقة بدلاً من ان ينطلق في الفضاء الوطني الواسع! أليس كذلك؟!..
مقالات اخرى للكاتب