يقال في اغلب الأحيان ، ان الصمت ابلغ من الكلام ، ولكن هذا الصمت وفي أوقات كثيرة يصبح مخجلاً ، وأكثر ما يخجلك في هذا الصمت حين يواجهكشخص يسألكَ عن هوية النظام الحاكم في بلدكَ ، عندها تموت الإجابة على شفتيك ويبقى الصمت هو الجواب الأخير الذي لا يجيب على هذا السؤال المحير.
عندها تشعر بمرارة الخجل المفرط وما يخجلكَ أكثر ، هو معرفتك لهذا النظام المتمثل بخلطة كيميائية عجيبة وغريبة من النظام الفردي والديمقراطي والرئاسي والمختلط ، يصبح من الصعب والعجز أن تضعه تحت عنوان واحد وواضح يعرفه تاريخ السياسة على مر العصور والأزمان .
الغريب في العراق ان الأنظمة المتعددة قد صهرت وامتزجت في ولادة نظام فريد يصلح لكل العناوين ، فتجده مرة نظاما اسلامياً ، ثم طائفياً ثانياً ، وديمقراطياً ثالثاً ، وليبرالياً رابعاً ، حتى تشعر بأنك امام لائحة كبيرة من العناوين والمصطلحات لنظام هجين تنضوي تحتسقفه اشكال وانماط مختلفة الأعراق ، اصبح من الصعب جدا ان تجد لنفسك بر امان فيها .
اذا تحدثت عن البرلمان ، سوف تجد انه ولد من رحم الشكوك والوساوس ، فأثمر مولودا مشوها غير قادر على الحركة وبدلا من اسعاف الولادة المشوهة ، دب الخلاف بين المسعفين الذين يفتقرون الى ابسط مقومات العلاج بسبب عدم معرفة احدهم للأخر كونهم لم يدخلوا أي جامعة طبية ولم يزاولوا مهنة الجراحة التي تجيز لهم دخول صالة العمليات ، عندها شعر الجميع انهم مزيفون وبدلا من إيجاد وسيلة لإنقاذ المريض المشوه ، انهالوا فيما بينهم بالشتائم ، وأصبحت الاتهامات المتبادلة هي الهواية المفضلة لديهم ، باستثناء الذين لم تنفرج شفاههم عن جملة واحدة طيلة بقائهم في صالة العمليات،!هذا هو حال البرلمان والحكومة في العراق الجديد ،.
برلمان هزيل يقفز فيه النواب من خندق الى خندق دون سابق انذار ، ويتحرك من سكة الى سكة أخرى دون إشارة ، مما جعل التصدع والانشقاق هو السمة الغالبة فيه ، والاختلاف اصبح قارب النجاة لكل المختلفين ، وحكومة عقيمة تستمد خصوبتها من حيوانات منوية أخرى حتى لو كلفها ذلك ان توصف بكل الاوصاف الشنيعة والمخجلة ، لأنها من نتاج الخلطة العجيبة التي افرزت وزراء من التجار المتميزين الذين اتخموا الشعب المسكين بالوعود الكاذبة ،واذا أرادوا ان يحللوا ثمن السرقة التي اتخموا منها ، فانهم يضعون في جوفه طعاما فاسدا ، تأبى بعض الحيوانات والطيور ان تمد انوفها فيه .
اليوم أصبحت الشعارات تسير تحت رحمة المصالح والطموحات الشخصية والحزبية والعشائرية والطائفية ، والويل كل الويل لمن لا ينضوي لواحدٍ من هذه البيارق حتى لوكان يملك في تاريخه كل موبقات الرذيلة ... اما دعاة الخير والفضيلة ، فانهم لا يملكون سوى الصمت المخجل الذي اصبح رفيقهم ، السلام على اسود الفقر ، وليوث الجوع ، وابطال المرض ، في بلد اهله فقراء وسلطته اثرياء .
مقالات اخرى للكاتب