كل الثورات و الانقلابات و احداث العنف التي حدثت في التاريخ العربي كانت تستهدف تبادل مواقع الاستغلال و ليس القضاء على ظاهرة الاستغلال . لذلك فأنها تنقل المجتمع من مستبد الى مستبد . و يلاحظ ان هذه الظاهرة اصبحت احدى سمات السلوك السياسي العربي الذي بدأ يقبل بالمستبد و يتوله به و يتغنى به و ينسج الاساطير حوله لكي يزيده ظلما و طغيانا . و هذا ما لاحظناه منذ العهد الاموي الى العهد العثماني ثم استمر بعد الحرب العالمية الاولى و الثانية و حتى يومنا هذا .
و من الجدير بالذكر ان هذا المنهج السلبي قد استمر حتى بعد ما يعرف ب( ثورات الربيع العربي ) التي حدثت في بعض البلدان العربية . حيث يلاحظ ان الشعوب العربية بعد ان تحررت من سطوة الطغاة سرعان ما انتجت طغاة جدد بأسم الدين او المذهب ليحلوا محل الطغاة السابقيين . بل ان بعضهم بدأ يبحث عن طغاة صغار يتلذذ بالخضوع لهم و تنفيذ اوامرهم و نسج الاساطير و القدسية حولهم .
و يبقى الاستثناء الوحيد في التاريخ العربي يكمن في ثورة الامام الحسين عليه السلام . حيث انها الثورة الوحيدة في التاريخ العربي التي كانت تهدف الى القضاء على ظاهرة الاستبداد و ليس استبدال مواقع الاستبداد . فثورة الامام الحسين كانت تهدف الى الاصلاح و ليس الاستيلاء على السلطة كما يزعم البعض . و ان جوهر الاصلاح يكمن في تصحيح مسار العملية السياسية التي سنها الرسول الاعظم و اكملها الائمة و الصحابة و التي ارتكزت على قاعدة الشورى في تولي السلطة و ليس التوريث الذي اراده بني امية .
ان عظمة الثورة الحسينية و جوهرها يكمن في ما يأتي :
1 – انها اول ثورة في التاريخ العربي استهدفت القضاء على ظاهرة الاستبداد و لم تستهدف تبادل مواقع الاستبداد او الاستغلال .
2 – ان عظمة الثورة الحسينية تكمن في كونها اندلعت في مجتمع يمجد المستبد و يتغنى به . بل انهم لم يعرفوا نظاما للحكم غير الحكم الاستبدادي . لذلك عاشت الثورة الحسينية غربة عن المجتمع الذي اتت من اجله , لدرجة ان المجتمع ترك الامام الحسين و اهل بيته و اصحابه يقتلون بشكل مروع دون ان يقدم على نصرتهم او تقديم الدعم لهم .
3 – ان عظمة الثورة الحسينية يكمن في توقيتها ايضا . فالامام الحسين لم يقم بثورته في عهد معاوية لأن حكمه لم يأت عم طريق التوريث فضلا عن مصادقته على الصلح مع الامام الحسن عليه السلام و الذي يقضي بعودة الحكم بعد معاوية الى الشورى . لقد ادرك الامام الحسين ان المبادرة في التصدي للاستبداد في اول عهده افضل من التصدي له في عهد متأخر لأن الاضرار تكون اقل و ان فرص الاطاحة به تكون اكثر رجحانا . عليه ساهمت الثورة الحسينية في الاطاحة بالحكم الاموي الاستبدادي و لو بعد حين .
عليه , يمكن تسويق الثورة الحسينية على المستوى العالمي مثلما سوق الغرب الثورة الانكليزية و الثورة الفرنسية و الثورة الامريكية اذا ما ركزنا على محتواها التحرري و توقيتها و الظروف الاجتماعية التي احاطت بها بدلا من تشويهها بممارسات لا تمت لها بصلة.
مقالات اخرى للكاتب