نحن نشكو دائما من تدخل دول الجوار في الشأن العراقي،والكثير منا يلقي بتداعيات ما يحصل في العراق على إنه صراع إقليمي في الساحة العراقية وهذا نابع من مسألة ربما غفل عنها البعض ولم ينتبه لها وتتمثل إن هنالك(عراق جديد وجيران قدماء)وهؤلاء الجيران لازالوا محكومين بالماضي،هذا الماضي نحن تحررنا منه بنسبة كبيرة جداً فلم تعد ذاكرتنا تردد بأن الكويت المحافظة التاسعة عشر،ولم تعد تستهوي مسامعنا أناشيد الحرب وبياناتها،لقد تغيرت مفاهيمنا بشكل إيجابي وكبير جداً،وسبب التحرر هذا يكمن بأننا تخلصنا من النظام السياسي الذي ظل يحكمنا عقود طويلة،وتحررنا من أيدلوجية هذا النظام وغادرنا مناطق الخوف ومناطق العداء للآخرين،فيما نجد الجوار العراقي لم يطاله التغيير وبالتالي ظلت هنالك عقد مترسخة وثقافة مؤدلجة يستقي منها ما يشاء ويتعامل وفق رؤيته على إن العراق لازال عراق صدام والبعث.
إذن نحن استوعبنا التغيير الذي حصل في العراق وتجاوزنا عُقد الماضي بحروبها ودمائها وعدوانيتها وتحملنا ضرائب كثيرة فُرضت علينا بموجب قرارات أممية احترمناها لأنها موروث ثقيل و علينا تسديدة ،لكن على دول الجوار العراقي أن تدرك إننا تغيرنا وعليهم أن يتغيروا في تعاملهم معنا.
و‘استيعاب التغير هذا تُرجم بممارسات ديمقراطية أفرزت لنا حكومات منتخبة،وحتى مناهجنا المدرسية تغيرت وباتت تتلاءم والعراق الجديد،مما سيؤدي بالتأكيد لانبعاث جيل عراقي ينفض ما تبقى من تراكمات الماضي،ولا ننسى أن ننبه لنقطة مهمة جداً تتمثل بأن أحدث جيل عراقي شاب الآن لا يعرف من هو صدام حسين ولا يحمل ذكريات حروب السنوات الطويلة مع الجيران ولا يعرف حتى غزو الكويت ولا الحرب مع إيران،لأن مناهجنا التعليمية وثقافتنا الموجودة الآن لا تقوم على نبش الماضي وإدارة الصراعات وفق مفاهيم الماضي وعُقده،الجيل العراقي ومنذ عام 2003 وحتى يومنا هذا ألغى حتى رمي الإطلاقات النارية في مراسيم تحية العلم كل يوم خميس في مدارس العراق كافة،لأن هنالك مفاهيم جديدة طرحت نفسها بقوة وباتت هي من ترسم عملية بناء الإنسان العراقي الجديد، وبما إن هنالك إنسانا عراقيا جديدا فإن هنالك عراقا جديدا. ولكن هل أستوعبت دول الجوار العراقي هذا التغيير؟من خلال ما يحصل الآن ليست هنالك أية مؤشرات تدلل على إن دول الجوار قد أستوعبت التغيير في العراق وأدركته بشكل يجعل منها تغير تعاملها مع العراق الجديد،والسبب يكمن كما قلنا بأنها لازالت محكومة بعُقد الماضي وأحداثه،وهذه الحالة ربما يكتشفها أي مواطن عراقي من خلال جملة من التصرفات التي تقوم بها دول الجوار تجاه العراق.
مقالات اخرى للكاتب