يبدو أن السلطات الأمنية ماضية في تفعيل قرار منع إطلاق النار، في المناسبات أي مناسبات، فقد شاهدت اثنين من الصبيان يهربان والشرطة تلاحقهما، ذلك لأنهما أطلقا النار في الهواء في مناسبة تخصهما. أورد الحادثة هذه وأتذكر قرارات سابقة للدولة تقضي بوجوب حصول صاحب المأتم وصاحب مناسبة الزواج، وكل من يريد أن يقدم على فعل استثنائي، خارج المنزل، على رخصة من مركز الشرطة، في منطقته، مع اشتراط حضور شرطيٍّ واحدٍ أو شرطيين حتى انتهاء المناسبة، تفاديا لما قد يحدث وحفظا لسلامة الناس، وهو لعمري–على الرغم من تذمر البعض منه- من أعمال السلطات وحكمة المسؤولين.
يذكّرنا أحد الأصدقاء، على صفحته بالفيس بوك بأهزوجة قديمة، ما زالت ترددها أو تعمل بها بعض العشائر الجنوبية، فهم يقولون( إحنا اهل الباطل والحك تالي نسولف بيه) وعلى الرغم من المبالغة الحماسية في الاهزوجة هذه، إلا ان واقع الحال يتحمل مثل هكذا سلوك، في ظروف خاصة، إذا ما علمنا بان الحكومة ما زالت عاجزة تماما عن حسم النزاعات المسلحة التي تنشب بين العشائر العراقية، في الجنوب بخاصة، وواضح أن البعض منها يستثمر انشغال الدولة بمحاربة داعش والإرهاب فضلا عن وجود كميات هائلة من السلاح بين أفراد المجتمع في الريف والمدينة على حد سواء، بفعل الحاجة له أو لوجود العشرات من التنظيمات المسلحة إذ ان المصلحة الوطنية تقتضي ذلك، ولكي لا يتصدى لنا أحد بما لا علم له به نقول: بان بغداد ومدنا عراقية اخرى كانت مهددة بالسقوط لولا وجود المسلحين في التنظيمات هذه، فقد كانت الدولة عاجزة تماما.
ما يهمنا في الظرف الحالي قد لا يتعلق بحمل قطع السلاح عند البعض في الشارع او البيت، إذ معلوم أن حكومات كثيرة في محيطنا العربي والدولي تبيح لمواطنيها اقتناء المسدسات والبنادق احيانا، لكن وفق الضوابط والقوانين المعمول بها. ففي الأردن سوق لبيع السلاح، وحتى اليوم يحمل الرجل اليماني أو العماني احيانا الخنجر(الجنبيّة) كما تسمى عندهم، لكنهم يمتنعون عن إشهارها في منازعاتهم، فهي جزء من الشخصية وللزينة حسب، واظن ان المشرّع العراقي الذي حدد عقوبة من يحمل الآلة الجارحة( السكين، الخنجر) بالحبس ستة أشهر كان صائباً، فالقوانين تصدر على وفق طبيعة المجتمع وحاجاته لها. ولا نريد أن نقول حكمة ما، او نمتدح النظام السابق الذي كان ضابطا لحياة وامن الناس بعنجهيته وبطشه، ذلك لأنه لم يأت بجديد، إنما القوانين السائدة منذ الحكم الملكي كانت فاعلة، ضابطة لسلوك البعض.
حاجة المواطن للسلاح اليوم قائمة بفعل الضعف والهوان الذي يسري في مفاصل الدولة كالسرطان، لكن حاجته للقوانين اليوم باتت ملزمة للدولة أكثر من أي يوم آخر، إذ من غير المعقول أن تترك بيوت الناس في المناطق البعيدة عن داعش في أقل تقدير وهي مخازن لكل أنواع الأسلحة التي تشهر في مناسبة ودون مناسبة، من غير المعقول أيضا أن تصبح أرواح الناس رخيصة الى الحد الذي يموت ويجرح عنده العشرات جراء فوز الفريق العراقي في لعبة لكرة القدم، أو عند وفاة أحد الشيوخ كما يحصل دائماً. وقد لا يبدو حسم قضية حساسة كهذه بيد الدولة وحدها، إذ ان القوى والتيارات والمنظمات الدينية بخاصة تقع عليها مسؤولية ذلك، ومهما كان انشغالها بمحاربة داعش ملزما لأفرادها بحمل السلاح والقتال من أجل حياتنا ومستقبل أولادنا، سيكون التزامها بحفظ أرواحنا، من حملة السلاح ومطلقي العيارات، نحن الذين لا نملك حولا وقوة أقرب وألصق بمبادئها امام الله والناس.
قبل سبعة اعوام قال السيد حامد السويج(رحمه الله) وكان أكبر ممثلي السيستاني في المدينة حيث قتلت طفلة بإطلاق نار في ضاحية البراضعية، عمَّ البصرة كلها بمناسبة فوز الفريق العراقي قال :بأن ديّة الطفلة هذه يتحملها كلُّ من أطلق النار ساعتئذ، كلهم دون استثناء. هل نتذكر المتنبي العظيم وهو يقول (والظلم من شيم النفوس .. فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلمُ) الناس تحت رحمة القوانين أكثر قربا الى الله من وجودها بيد الدهماء يا رئيس الوزراء.
مقالات اخرى للكاتب