يبدو أن الجامعة العربية استعجلت في قبول مقترح ممثل العراقي لديها والخاص في اعتماد البصرة(عاصمة الثقافة العربية للعام 2018) وواضح جدا، أنه سيوقع الحكومة المحلية في المأزق الذي وقعت فيه بغداد، العام الماضي 2014 على الرغم من ان مشاريع الثقافة في بغداد –إن وجدت- فأنها تتقدم بكثير الصورة التي عليها البصرة اليوم. إذ ان زائر المدينة اليوم يقول بانها لا تصلح إلا أن تكون عاصمة للنفايات العراقية، بعد ان اخفقت كل محاولات البلدية والمحافظة في انتشالها من اطنان النفايات التي تملأ شوارعها وازقتها، حيث ما تلفت ابناؤها.
ولمن يعتقد أن البصرة ستكون بأفضل حال بعد السنوات الثلاث أو الأربع نقول له بان محافظها ومجلسه لا يمتلكون عصا سحرية، وهم في أدنى مشاعر الاحباط، والتركة الثقيلة التي تسببت اخطاء الحكومات السابقة، وتصورات المواطن ازاء النظافة فضلا عن عمليات الفساد وأساليب التهديد التي يتعرض لها المسؤول الحكومي ستضاعف من مشاعر الاحباط، وسيمر الحدث العربي(عاصمة الثقافة العربية) كأي عارض في حياتنا، نتقبله ونستمرئه وكان شيئاً لم يكن، إذا ما الثقافة، ومن هم المثقفون، وما شان الحكومة بذلك؟ وهذا شعور كل سياسي في دولتنا الكبيرة من الموصل حتى بغداد فالبصرة. ومن يجد في حفيظته غير ذلك فليتوكل على الله .
بوازع من شعوره بأهمية الثقافة في حياة المجتمع، أي مجتمع، تقدم ناصر الحجاج، وهو اكاديمي وإعلامي ومثقف معروف إلى محافظ المدينة السابق الدكتور خلف بمشروع يقضي بتأسيس شارع للثقافة في البصرة، هكذا كما هو بغداد، ووقع المقترح على شارع صغير داخل محلة البجاري، وسط المدينة، حيث تتجمع المكتبات ومخازن تجارة الورق والقرطاسية والمطابع، وكاد ان يحظى المشروع بالموافقة، أو تمت الموافقة عليه. لكن صعود عبد الصمد إلى البرلمان وخروجه من المبنى الحكومي وعدم اهتمام غالبية اعضاء الحكومة بشان الثقافة جعل من المشروع أدنى من حبر على ورق. ذلك لأن مشروعا كهذا لا يدرُّ نفعا على احد، وهو من أعمال (العلمانيين) برأي غالبيتهم، لا بل إن ضياع الملايين على عشرات المشاريع الفاشلة من اعمال القربى إلى الله، وهي مجلبة لمرضاته، مخرجة عن نقمته. طالما كانت النوايا لا تخرج عن معصيته. أو ليست الأعمال بالنيات ؟؟
قبل عقد ويزيد من الزمان كتبنا وقلنا وطالبنا وبحّت أصواتنا، وتعرض منا من تعرض للنقد والتخوين– نحن معشر المثقفين- بوجوب ان تلتفت الحكومة الفدرالية والمحلية لأهمية البصرة، المدينة الاستثنائية في العراق، لما لها من خصوصية وسابقة في بلاد العرب، وحاضنة إبداعية تاريخية رائدة في علوم اللغة والادب والحديث والفقه والشعر وعلوم الكلام وووو. ورحنا نصرخ بأعلى أصواتنا، بوجوب الاصغاء لما ننادي به، إذ أن افتقاد المدينة لدار واحدة للسينما عار على الحاكمين فيها، وخلوها من قاعة كبيرة للمسرح نقيصة في عملها، وإهمال شوارعها وازقتها وتهديم المباني الاثرية كبيوت وقصور أعيانها، وافتقارها لأبسط مقومات المدينة الحضرية أمر بالغ الاثر على مستقبلها، لأن العرب، كل العرب لا ينظرون للبصرة بالعين التي ينظرون بها لباقي مدن العراق إنما بوصفها أول حاضرة للعرب المسلمين خارج مكة والمدينة وانها مدينة الاصمعي والجاحظ والخليل والفراهيدي وبشار بن برد والحسن ابن الهيثم والحسن البصري ورابعة العدوية وبدر شاكر السياب ومحمود البريكان ونجيب المانع وووو .
قد لا يعنينا من أمر المدينة شيء، وقد نشترك في أمر سوئها مع حكومتنا هذه، لذا لن نسخر ونتهكم ونحتج، لكننا سنكون في موقع المسئولية مع ضيوفنا من مثقفي العربية، إذ إلى أين سنأخذهم، وفي اي مسرح سنعرض مسرحياتهم، وعلى أي دار للسينما سنعرض افلامنا وافلامهم، وفي اي قاعة سيعرض الفنانون العراقيون والعرب اعمالهم التشكيلية، وقبل ذلك إلى أي الشوارع سنسير معهم، وفي أي بيوت للتراث سنحتفي بالتاريخ وإياهم؟ هذا إذا رضوا بمدينتنا عاصمة للثقافة قبل أن يتركونها لأنها اوسخ مدن العراق.
مقالات اخرى للكاتب